التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, أبريل 26, 2024

السعودیة..العصا الأمریکیة والجزرة الایرانیة 

إيران والسعودية بلدان مهمان على المستوى الإقليمي والدولي، وتدرك المملكة أن التقارب مع الجمهورية الإسلامية يصب في صالحها قبل طهران في ظل الأزمة التي يشهدها الشرق الأوسط، لكن الحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن أمريكا لا تريد أن يكون هناك تقارب إيراني- سعودي، مستفيدةً من  تعكَّز النظام السعودي على عكاز سياسة العصا والجزرة الامريكية، ما يجعل هذه المملكة بين التهديد الأمريكي والدورالايراني.

النفط  أساس العلاقات الاستراتيجية بين السعودية وأمريكا منذ أن التقى الرئيس روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود على ظهر المدمرة الأمريكية “USS Quincy ” في قناة السويس في فبراير 1945، فالعلاقة بين الجانبين تقوم على صفقة تلتزم السعودية بموجبها بتأمين النفط للولايات المتحدة مقابل التزام واشنطن بالدفاع عن السعودية، فكلمة ” المصالح” الرابط الوحيد بينهما.

لم تتردد السعودية في يوم من الأيام في بلورة سياستها في مجال تصدير النفط على أساس المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وتعي المملكة أن تحقيق أمريكا اكتفاءً ذاتياً من النفط في أعقاب النجاحات التقنية التي حققها الأمريكيون في مجال إنتاج الوقود الصخري سيدفعها لبلورة سياستها الخارجية في المنطقة على أسس جديدة، بحيث لا يأخذ المصالح الخليجية عموماً والسعودية خصوصاً بعين الاعتبار.

ابتعد الأمريكيون عن الموقف السعودي في ملفات عديدة ولم يقدموا الدعم الذي طلبته منهم السعودية خاصةً في الأزمة السورية، حتى أن السعوديين صدموا في السنين الثلاثة الأخيرة عندما لاحظوا مؤشرات على انسحاب الولايات المتحدة في المنطقة، والتي تجسدت في الانسحاب الأمريكي من العراق وتراخي الموقف الأمريكي تجاه النظام السوري والبرنامج النووي الإيراني حسب قولهم، فضلاً عن سحب أمريكا للأسطول الخامس من البحرين مؤخراً، مع العلم أن الملك عبد الله أوضح لأوباما خلال زيارة الاخير للسعودية بأن البحرين تمثل خطاً أحمر للمملكة ويتوجب على الإدارة الأمريكية التوقف عن مطالبة آل خليفة بالاصلاحات.

 حرص الرئيس أوباما على طمأنة آل سعود التزام واشنطن بمواصلة حماية حلفائها في المنطقة، في مسعى لاستعادة الثقة بين الجانبين، لكن السعوديين يرون أن الولايات المتحدة ضللتهم بعد توصلها للاتفاق المؤقت مع إيران بشأن برنامجها النووي، لأن النخب الحاكمة في الرياض ترى أن أي اتفاق نهائي مع إيران سيعكس توجه واشنطن لقطع ارتباطها بالمنطقة، كما تخشى السعودية من خيانة أمريكا لها ومطالبتها باجراء انتخابات، خاصةً لأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قال في المؤتمر الأخير الذي عقد في نيويورك أن تونس مثال يحتذى به في الشرق الأوسط مما يعتبر تهديداً واضحاً للنظام في المملكة.

 للأسف، لا تستطيع المملكة “المملوكة لأمريكا” في سياستها القائمة الاّ أن تقف مكتوفة الأيدي في وجّه السياسات الأمريكية في المنطقة، لأنها مرهونة لواشنطن عسكريا واقتصاديا رغم ان آل سعود يعتقدون انهم يملكون القرار الامريكي، فعسكرياً، لن تستطيع أن تفعل الكثير في مقابل أمريكا، نظراً لاعتماد نظامها على الحماية العسكرية الامريكية، اما اقتصاديا فأموال السعودية النفطية لا تزال في البنوك الامريكية وصناديقها، ناهيك عن ارتباط الريال السعودي بالدولار الامريكي مما يجعل الرياض غير قادرة على تفعيل استقلاليتها عن أمريكا، لأن هذا النظام  ربط أمنه القومي والاقتصادي بواشنطن منذ فترة طويلة.

 في المقابل ايران وعبر التاريخ تنظر الى السعودية كبلد مسلم لديه الكثير من الامكانات لخدمة الاسلام والمسلمين، وتعتبر ان التعاون الايراني السعودي لحل قضايا وازمات الشرق الأوسط سيكون في صالح المنطقة وشعوبها. ولطالما أكدت ايران أنها تريد تعزيز علاقاتها مع جميع دول الخليج الفارسي بما فيها السعودية على أساس الاحترام المتبادل، فهي التي واجهت القوى الكبرى في العالم لحمايت سيادتها وشعبها و لم تصل الجمهورية الاسلامية الايرانية الى ما وصلت اليه من مرتبة عالية الا بسبب صمودها بوجه الأعداء.

 أما على الجانب السعودي، لا تبدو التوجهات الداخلية بذلك الوضوح، فالسعودية التي بنت استراتيجيتها على اساس ان ايران باتت تشكل خطرا وجوديا يجب مواجهته من خلال تحالفها مع أمريكا،لا تخفي بعض الاشارات الايجابية “الحذرة جداً” في التعامل مع طهران، فقد أقام الملك السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز علاقات وثيقة مع الشيخ هاشمي رفسنجاني الرئيس السابق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، واثار دهشة الكثيرين عندما أجلس الرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد الى يمينه اثناء استقباله لقادة الدول الاسلامية المشاركين في قمة مكة، بينما احتل الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الصفوف الخلفية في لفتة مقصودة.

 يلتقي البلدين على ارضية العداء للجماعات التكفيرية باعتبارها خطرا يهدد الطرفين، الا أن الرياض لا تبدي المرونة الكافية للتقارب مع الجانب الايراني(مع علمها أن فتح صفحة جديدة مع ايران، هو في صالحها اولا قبل ان يكون في صالح طهران، لان العداء لايران سيضرها و لا يضر ايران التي تمد يدها دوما الى جيرانها) والسبب في ذلك يعود الى سيطرة التيار الوهابي على الكثير من مجريات الأمور في المملكة، خاصةً أن هذا التيار يصف الشيعة وفي مقدمتهم ايران بالروافض.

لكن لا يخفى على أحد أن طموحات المملكة من الناحيتين السياسية والاقتصادية للتوسع شرق أوسطياً عبر جعل دول المنطقة خاضعة للقرار السعودي ، وهذا ما لا يتناسب مع رؤية الجمهورية الاسلامية الايرانية التي ترفض المساس بأمن دول لمنطقة، ناهيك عن أن بعض أصحاب القرار من آل سعود لديهم حقد دفين على طهران غير معروف الأسباب، فهم يرفضون أي تقارب مع ايران ، ويرون أي تطور بمثابة تهديد للرياض، وهذا ما رفضتة الجمهورية الاسلامية الايرانية مراراً وتكراراً.

اذاً، يشير الماضي القريب إلى أنه ليس من المستحيل ارساء تقاربٍ سعودي–إيراني، كما أن الرئيس الايراني الجديد الشيخ حسن روحاني وصف السعودية بالشقيقة، غير أن هذا التقارب لن يتحول إلى تحالف في ظل الترديد السعودي لأنه لايصب في صالح الادارة الأمريكية التي تستعمل سياسة “العصا والجزرة” مع آل سعود من ناحية، ويتعارض مع أطماع المملكة في التوسع من ناحية أخرى، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كانت عقلاء المملكة يملكون القدرة على اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق مصالحها عبرصفحة جديدة مع طهران عنوانها “مصالحنا أولاً”.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق