التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, مارس 28, 2024

تقلیص السفارة الأمريكية في العراق.. مشكلات مالية أم إجراءات أمنيّة؟ 

على وقع تصاعد الأزمة بين إيران وأمريكا عمد وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو في مايو- أيار الماضي إلى إصدار قرار أمر فيه بعملية إجلاء جزئي للدبلوماسيين من السفارة الأمريكية في العراق.

اليوم، وبعد فترة على عملية التخفيض هذه في عدد موظفي السفارة تبلّغت السفارة بأن هذا التخفيض سيصبح بصورة دائمة.

فقد أكدت عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، عن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، ريحان حنا أيوب: “أن السفارة الأمريكية قلّصت من كادرها ما يقارب ألف موظف يعملون في العراق، لما تواجهه من مشكلات مالية كبيرة بسبب ضعف دعم الإدارة الأمريكية لها، فضلاً عن الآليات المتبعة من قبل الحكومة العراقية بعملية استيراد البضائع التي يحتاجها موظفو السفارة، ما يدفعهم لسلك طريق الاستيراد عبر إقليم كردستان، وهذا بدوره سيؤدي إلى ارتفاع نسبة التكاليف، التي ستزيد العبء على واقع السفارة المالي”.

الأكبر في العالم

تم افتتاح السفارة الأمريكية الحالية في العام 2009، فبعد عدة تأجيلات وتكلفة قدرت بـ 700 مليون دولار، افتتحت في العاصمة العراقية بغداد السفارة الأمريكية، الأكبر والأغلى تكلفة على الإطلاق.

وتبلغ مساحة السفارة 104 فدانات – حجم 80 ملعب كرة قدم – وتفوق الفاتيكان حجماً، وتضم 21 مبنى، ودار سينما ومحال تجارية ومطاعم ومدرسة ومحطة إطفاء ومحطات لمعالجة المياه والطاقة، ومنشآت للاتصالات ومعالجة المياه الآسنة.

وتعدّ الأكبر بعشر مرات لأي مقر سفارة أمريكية حول العالم، وفق شبكة “فوكس” الأمريكية.

وبدل أن تكون هذه السفارة مقرّاً دبلوماسيّاً للانفتاح على الداخل العراقي باتت أشبه بقاعدة عسكرية يرتدي روّادها بدلات رسميّة، وبالتالي تعرّضت هذه السفارة لانتقادات في الداخل الأمريكي على هذا الصعيد.

عوداً إلى القرار الأمريكي الجديد بتقليص كادر السفارة الأمريكي في بغداد، تجدر الإشارة إلى التالي:

أوّلاً: بدا واضحاً أن هناك قراراً أمريكياً مبيّتاً بتقليص عدد العاملين في السفارة العراقية في بغداد، لكن الخارجيّة الأمريكية انتهزت الأزمة مع إيران للمطالبة برحيل هؤلاء العمال وفقاً لأسباب أمنية، رغم أن الحقيقة لم تكن كذلك.

تستبعد النائبة العراقية أن “يكون الوضع الإقليمي في المنطقة ومشكلات أمريكا وإيران سبباً بهكذا خطوة، لأنه من غير المنطقي ولا الدبلوماسي أن تقوم أمريكا بإغلاق سفارتها في العراق”.

ثانیاٌ: يبدو واضحاٌ آن أسباباً مالية تقف خلف هذا الأمر، إن هذا المجمّع الكبير بهذا الحجم من العمال فشل في تحقيق أهداف واشنطن بالانخراط داخل المجتمع العراقي، لا بل على العكس فقد زاد النفور العراقي من الوجود الأمريكي سواءً قبل الانسحاب أم بعده.

نعم ما نجح به هؤلاء هو محاولة زرع الفتنة، وكذلك إيجاد تنظيم داعش الإرهابي.

اليوم، وبعد تغيّر الإدارة الأمريكية هناك توجّه لدى ترامب باستخدام أسلوب إدارة مختلف لاسيّما بعد سقوط تنظيم “داعش” الإرهابي كون أن مثل هذه الخطوة في وقت سابق كانت ستعرّضه لانتقادات واسعة في الداخل الأمريكي.

ثالثاً: إن سحب هذه الحجم من الموظفين لا يعني أن السفارة باتت خالية، أبداً، وعلى العكس تماماً، فقد أشارت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية إلى أنه لا يزال يوجد في السفارة ما يقدر بآلاف الموظفين، لكنّ جزءاً صغيراً فقط من موظفيها يعملون مباشرة في وظائف دبلوماسية أساسية، بمن في ذلك المسؤولون السياسيون والاقتصاديون وموظفو الدبلوماسية العامة، أما الأغلبية فهم من المقاولين أو أفراد الأمن أو مسؤولين من الوكالات الفدرالية الأخرى، بما في ذلك مجتمع الاستخبارات

رابعاٌ: للأسف هناك من يسعى لتقديم الإجراء الأمريكي الجديد وفقاً لاعتبارات سياسيّة، رغم أن الجانب الأمريكي نفسه ينفي هذا الأمر.

هناك العديد من الأحداث الإقليمية التي تحدث لأسباب طبيعية واعتيادية، لكن العديد من وسائل الإعلام تسعى لتقديمها بصبغة سياسية تخدم سياستها، ولاسيّما لناحية مهاجمة ايران.

على سبيل المثال، تكشف حادثة اختفاء السفينة في الخليج الفارسي هذا الأمر حيث حاول البعض تقديم إيران على أنها قامت بعملية قرصنة رغم أن السفينة هي التي وجّهت نداءات استغاثة وجلّ ما قامت به إيران هو إجراء إنساني لا أكثر.

للأسف، وحتى بعد أن يتضح كذب وسائل الإعلام هذه لا تعمد إلى التطرق إلى الموضوع مجدداً بل تعمد إلى تجاهله، فضلاً عن تقديم الاعتذار.

في الختام، لا يتصور أحد أن السفارة الأمريكية اليوم في بغداد بات عدد عمالها قليل، بل على العكس تماماً لا تزال الأكبر والأكثر عديداً في العالم، فالكثير من هؤلاء جاؤوا بصفة دبلوماسيّة وهم في الحقيقة مدربون عسكريون، واليوم هناك قرار بعودتهم.

لماذا تم تضخيم هذا الأمر إذن؟ لإقناع الشعب العراقي والطبقة السياسية العراقية بأن واشنطن لا تسعى للتدخل في الشأن العراقي، وقد بدأت بالفعل إجراءاتها العملية على هذا الصعيد عبر تقليص عدد العمال.

السؤال الآخر هو: ما التالي إذن؟ لا نستبعد أن تقدّم واشنطن على المطالبة بالحصانة مجدداً لقواتها العسكرية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق