- وكالة الرأي الدولية - https://www.alrai-iq.com -

إدلب ومعادلات سوريا الجديدة

لا يزال الجيش السوري يمضي قُدماً نحو تحرير إدلب من آخر معاقل المسلحين، ومع تقدّم الجيش نحو المحافظة التي يتغلغل فيها أكثر من 90 ألف مسلّح، ويحتمون بالمدنيين هناك، بدأت جولة جديدة من المطالبات الدولية لوقف عمليات الجيش ومنع تقدّمه، هذه المرّة جاء القلق الدولي عبر أمريكا التي طالب رئيسها دونالد ترامب بوقف قصف إدلب.

ترامب لم يأتِ على ذكر الجماعات الإرهابية المسلّحة التي تنشط في هذه المحافظة وتقصف المدنيين في المدن والمحافظات المجاورة، وهذا أمر لم نستغربه لأننا نعلم جيداً عمّا تبحث واشنطن في سوريا، وما هي غايتها، وغاية دول مثل تركيا من إيقاف الجيش السوري عن التقدّم هناك، ولكن ما نستغربه كيف يمكن لدولة مثل أمريكا أن تقتل مئات المدنيين شمال شرق سوريا “الرقة والباغوز” ومن ثم تطالب الجيش السوري الذي يحرّر أرضه من أن يوقف تقدّمه.

الكرملين أجاب على انتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتحرّك العسكري الروسي والسوري في محافظة إدلب السورية، وقال إنه مطلوب لوقف هجمات المعارضة من المنطقة.

ورداً على سؤال عن انتقاد ترامب يوم الاثنين، قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين للصحفيين إن المسلحين يستخدمون إدلب قاعدة لشنّ هجمات على أهداف مدنية وعسكرية، واصفاً ذلك بأنه غير مقبول.

وأضاف إن تركيا تتحمّل مسؤولية ضمان عدم وقوع مثل هذه الهجمات بناء على اتفاق توصّلت إليه روسيا وتركيا في أيلول، وسمح الاتفاق بإقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب، ودعا إلى إخلائها من كل الأسلحة الثقيلة والمقاتلين المتشددين.

الأسباب الرامية إلى الدعوة لوقف العمليات العسكرية في إدلب؟

أولاً: تعلم واشنطن جيداً أن “إدلب” هي مركز ثقل المسلحين في سوريا، وعملياً لم يتبقَ على الأرض السورية سوى هذه المحافظة ينشط فيه المسلحون بأعداد كبيرة، وهي تشكّل خاصرة رخوة للدولة السورية لذلك لا بدّ من معالجتها، لكن قيام الدولة السورية بتحريرها يعني القضاء على أحلام المعارضة المسلحة ومن يدعمها، وإعلان اجهاض مشروع تقسيم سوريا إلى أجل غير مسمى، لذلك ستكون واشنطن حريصة كل الحرص على منع الجيش السوري من التقدّم نحو إدلب لأن تقدّمه يعني نهاية المشروع الأمريكي في سوريا.

ثانياً: تقدّم الجيش السوري يُغضب تركيا التي كانت تبحث عن اجتزاء أقسام من سوريا لنفسها، وحاولت أنقرة الضغط كثيراً على موسكو لإيقاف تقدّم الجيش السوري وبدء هدنة مع المسلحين، وقد التزم الجانب السوري في هذه الهدنة إلا أن المسلحين استمروا في التصعيد وبدؤوا بمهاجمة مواقع للجيش السوري، حيث تسعى المجموعات المسلحة لإبقاء التصعيد سيد الموقف على هذه الجبهات، وبالتالي تتخذ من ذلك ذريعة لمنع المدنيين من الخروج من مناطق سيطرتها باتجاه مناطق سيطرة الدولة السورية.

هذه المرة الثانية التي تفشل فيها تركيا في منع المسلحين من إيقاف هجماتهم تجاه نقاط الجيش السوري، لذلك يمكن القول إن الأمور خرجت عن سيطرة أنقرة التي كانت تعتبر إدلب هدفاً استراتيجياً لها لموقعها الجغرافي وقربها من ولاية هطاي التركية من ناحية الشمال، وربطها بين منطقة سيطرة أكراد سوريا والحدود التركية.

تركيا تريد إبقاء الصراع قائماً بين المعارضة والحكومة السورية ولا تريد إنهاء هذا الصراع من أجل إبرام صفقة تتيح لها الانتشار بطول نحو 40 كم على الشريط الحدودي مع إدلب، كما تخشى تركيا من نزوح عدد كبير من المدنيين نحو أراضيها، والأمر الأهم مستقبل الجماعات الإرهابية التي قد تدخل الأراضي التركية وتسبّب فوضى أو خلل داخل تركيا، ونفس السبب تخشى منه الدول الأوروبية وأمريكا.

المعقل الأخير

تأتي صعوبة معركة إدلب من كونها المعقل الأخير للمسلحين وبالتالي حسم هذه المعركة لمصلحة الجيش السوري سيغيّر الكثير من المعادلات في سوريا والشرق الأوسط، وسيشكّل ضربة قاصمة للجماعات الإرهابية المسلحة وداعميها، وبالتالي علينا أن نتوقع قتالاً شرساً من قبل الجماعات المسلحة، وستتحرك المنظمات غير الحكومية ومنظمات أخرى لتلفيق تقارير من داخل إدلب كتلك التي ينفذها أصحاب “الخوذ البيضاء” لتحريض الرأي العام العالمي وتحريك قرار في مجلس الأمن لوقف تحرير إدلب، وإطالة عمر الأزمة حتى تتم التوافقات التي تبحث عنها الدول الشريكة في دعم الإرهابيين كلٍّ على حدة.

الجميع سيحاول حصد أفضل نتيجة ممكنة من معركة إدلب إلا أن الحرب السورية أثبتت أن ما يريده أصحاب الأرض هو الذي سيتحقق، وبالتالي لا نعتقد بأن الجيش السوري سيرضخ للشروط التي ستفرضها الدول الكبرى وسيمضي نحو تحرير إدلب وسكانها من بطش الإرهابيين، بالإضافة إلى أن الجيش السوري يصرّ على تحرير هذه المحافظة بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي المهم فهي تتوسط ثلاث محافظات ” اللاذقية غربًا وحلب شرقاً وحماة جنوباً” وكذلك لديها حدود مشتركة مع تركيا.

في الختام.. المعركة ستكون شرسة من دون أدنى شك، وسيحاول الجميع الحفاظ على مواقعهم إلا أن سرعة تقدم الجيش السوري تؤكد أنه سيعيد المحافظة حتى نهاية هذا الصيف، ولا نعتقد بأن الحكومة السورية ستترك محافظات سوريا عرضة للتهديد من قبل 90 ألف مسلح من عناصر أجنبية ومحلية جاءت من درعا والغوطة الشرقية والرستن وشرق الفرات وحلب.
المصدر / الوقت