التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, مارس 29, 2024

بعد معاناة دامية من الحرب العالمية الأولى.. قمة باريس تستثني إيران! 

جمعت اليوم فرنسا 70 زعيماً من مختلف أنحاء العالم لإحياء الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى وكان من أبرز الغائبين عن هذه المناسبة “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” التي على ما يبدو لم توجه لها دعوة لحضور هذه المناسبة بالرغم من أن الشعب الإيراني لديه ذكريات مؤلمة عن هذه الحرب التي أرخت بظلالها على اقتصاد البلاد في ذلك الوقت وقتلت أعداداً كبيرة من أبنائه، وفي المقابل وجهت دعوات إلى دول لا يربطها بالحرب وذكرياتها أي رابط لا من قريب ولا من بعيد.

أبعاد وزوايا تأثيرات الحرب العالمية الأولى على إيران

وقعت الحرب العالمية الأولى في صيف عام 1914 بين ألمانيا وحلفائها من جهة وبريطانيا وحلفائها من جهة أخرى، ولعل أبرز أسباب هذه الحرب هو “العامل الاقتصادي” الذي دفع هذه الدول لتتناحر فيما بينها أكثر من أربع سنوات، فكل واحدة من هذه الدول كانت تبحث عن إنشاء مستعمرات لها على امتداد هذا العالم وجعلها أسواقاً لتصريف منتجاتها ومنطقة إنتاج مواد أولية تتزود بها الدول الصناعية، وبالتأكيد كان العامل الجغرافي أحد أهم الأسباب الأخرى التي كانت تبحث عنها هذه الدول ولاسيما روسيا التي كانت تسعى حينها للوصول إلى البحار الدافئة، هذين العاملين جعلا إيران محطّ أنظار كل من روسيا وبريطانيا على وجه الخصوص، فروسيا كما ذكرنا كانت تبحث عن موطئ قدم لها في هذه المنطقة للوصول إلى مياه الخليج والمحيط الهندي، أما بريطانيا فكان لديها حينها مستعمرات جنوب إيران، وكانت حريصة جداً على تأمين هذه المستعمرات، وحماية الطرق المؤدية إليها، عبر محاولتها الحصول على موطئ قدم لها في إيران، وهذا جعل الامبراطوريتان تدخلان في تنافس مستمر من أجل السيطرة على إيران، وقد لعب الاقتصاد دوراً بارزاً في توجيه السياسة القيصرية، مشكّلاً بذلك العامل الثالث، حيث وجدت الحكومة القيصرية في إيران سوقاً طبيعية لتصريف إنتاجها الصناعي، وفي الوقت نفسه الحصول على المواد الأولية لصناعتها.

ومع نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914، ونتيجة الضغط السياسي والعسكري على إيران وفقدان الحكومة المركزية القوية فيها، أصبحت إيران مسرحاً مكشوفاً للنزاعات الدولية، لاسيما مع بروز ألمانيا، التي بدأت تفرض نفوذها في الأقسام الجنوبية للبلاد.

أعلنت إيران حينها الحياد “14 تشرين الثاني 1914” في هذه الحرب إلا أن هذا الأمر لم ينقذها من تربص الأعداء بها، وبهذا تحولت إيران إلى ساحة صراع أثقلت كاهل شعبها، فقد تكبّدت خسائر مادية وبشرية فادحة، فمع القتل والدمار نتيجة الحروب التي دارت بين الأطراف المتصارعة، رافق ذلك موجة من المجاعات والأمراض والدمار الاقتصادي، إذ دمرت قرى كثيرة وأتلفت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية حتى تحولت إلى صحاري مهجورة، وتدهورت أوضاع التجارة، ولاسيما بعد أن شهدت البلاد تدخلاً سافراً من قوات الاحتلال في الشؤون الاقتصادية، لدرجة أن البريطانيين قاموا بنشر قوائم بأسماء تجار إيران والشركات المحلية من المتعاونين مع أعدائهم، فضلاً عما أسمته إحدى وثائق الداخلية الإيرانية “تجاوزات القوات البريطانية” على التجار الإيرانيين وعرقلة سير بضائعهم عبر الحدود الإيرانية، وقيام الروس من جهة أخرى باستحصال الضرائب من السكان في قزوين وتبريز، فظهر ذلك على ميزانية الدولة التي أخذت تعاني من نقص حاد في مواردها من ضرائب وغيرها، وانتشرت الأسواق السوداء بشكل واسع نتيجة حالات سرقة الحبوب واختفاء المحاصيل من مخازن الدولة كما حدث في ولاية كرمنشاه، حيث أفادت إحدى الوثائق الداخلية الإيرانية بأن هذه المحاصيل قد سلمت حينها إلى الجيش العثماني الذي كان مرابطاً هناك، وعلى إثرها ارتفعت أسعار الحبوب ولاسيما القمح بما يزيد على عشرين ضعفاً عما كان قبل الحرب.

بعد هذه المرحلة بدأت تظهر النتائج الأولية للمجاعات والقحط الذي اجتاح البلاد ما تسبب بوفاة أعداد كبيرة من الفقراء، فالإحصائيات التي أعدتها شرطة العاصمة والصادرة عن مفوضيات مناطق طهران تفيد بأن عدد الضحايا في طهران بلغ 382 خلال شهر كانون الثاني من العام 1917 وارتفعت الخسائر البشرية بالتدريج فخلال المدة من 20 تشرين الأول وحتى 5 تشرين الثاني 1917 بلغ عدد الوفيات في طهران 520 شخصاً، وخلال المدة من 11 آذار وحتى آخر نيسان من العام 1918 بلغ عدد الوفيات ما يقارب 2761، وبالمحصلة بلغ عدد الموتى في إيران نتيجة الحرب وآثارها 300000 شخص في عموم إيران.

لقد أدّت ظروف الحرب العالمية الأولى، وما صاحبها من تغلغل أجنبي في إيران واضطراب سياسي وأزمة اقتصادية، إلى بروز توجّهات لدى شريحة واسعة من المجتمع الإيراني تدعو إلى الدفاع عن البلاد واستقلاله، وعلى الصعيد الاجتماعي اتخذ رجال الدين خلال سنوات الحرب المساجد والجوامع وسيلة لإيصال أفكارهم إلى عامة الناس والقاضية بضرورة الدفاع عن أراضي إيران ومقدساتها والتصدي للأجنبي.

ويمكن القول في الختام أن إيران عانت خلال سنوات الحرب بشكل مريع واستمرت معاناتها حتى بعد الحرب بسنوات طويلة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق