التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, أبريل 24, 2024

اعتراضات العراق.. مطالبات محرومين أم تحرّكات مندّسين؟ 

بعد أن طوى العراق صفحة الحرب على الإرهاب وثلاث سنوات من هذه الحقبة التي كلّفت البلاد كثيراً مادياً وبشرياً تفتح بلاد ما بين النهرين صفحة جديدة في مسيرتها على وقع المظاهرات المحقّة التي تطالب بالشروع في الحرب على الفساد وتوفير الخدمات الأساسية ليدخل البلد في مرحلة صعبة مطلوب فيها الوعي واليقظة من الجميع.

لا نذيع سرّاً هنا إذا قلنا أن هناك ما يتوجب على الحكومة العراقية فعله بالإضافة إلى أن هناك ما يتوجب على العراقيين أنفسهم، ومن بين ذلك الاعتراض قانونياً، وعدم السماح للمندسين، والابتعاد عن الشعارات اللا وطنية والطائفية والقومية والحفاظ على الممتلكات العامّة لإيصال صوتهم بصورة صحيحة حتى الحصول على مطالبهم وحقوقهم المشروعة، ولكن ما هو المطلوب من الحكومة والمسؤولين العراقيين فعله؟.

أولاً: من الضروري جداً أن تقوم الحكومة العراقية باستيعاب أبنائها والاستماع لمطالبهم بشكل جيد وتنفيذ ما يمكن تنفيذه على وجه السرعة، خاصة أن القسم الأكبر من هذه المطالب هي مطالب حياتية بسيطة وتعدّ مقوّمات العيشة الكريمة في أي بلد، والعراق لا ينقصه أموال لتحقيق هذه الخدمات المعيشية، فبلاد النهرين تصدّر يومياً أكثر من 6.5 ملايين برميل نفط عراقي ومن المعيب جداً أن يعيش أبناؤه في ظلمة حالكة رغم هذه الإمكانيات النفطية الكبيرة.

ثانياً: من الضروري أيضاً أن تقوم الدولة العراقية باستيعاب هذه القوى العاملة في البلاد والاستعانة بها في تنفيذ الخدمات المطلوبة باعتبار أن بغداد كانت ومازالت منارة علمية للشرق الأوسط حيث إن خريجي الجامعات العراقية يعتبرون من أفضل المستويات في المنطقة، ولهم حظوة جيدة في أهم وأعرق الجامعات العالمية حيث تمكنوا من خلق الشاغر المناسب لهم.

ثالثاً: يتوجب على الدولة العراقية أيضاً المضي في تشكيل الحكومة الفاعلة، ومواجهة الفساد بقوة فالاحتجاجات التي تشهدها محافظات العراق الجنوبية منذ فترة وما رافقها من توترات أمنية ساهمت بشكل كبير في تراجع حراك تشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى الممهدة لانبثاق الحكومة العراقية الجديدة، وفي ظل الغليان الشعبي الذي يشهده الشارع العراقي فإن الحديث عن التحالفات والصراع السياسي قد يتسبب في تأجيج الأوضاع في الوقت الذي تبدو فيه الحكومة بأمس الحاجة لخطاب يسهم في تخفيف حدّة التوترات لذلك فإن على الكتل البرلمانية التي تمكّنت من تمثيل الشارع العراقي في الانتخابات الأخيرة إعلان خريطة اقتصادية واضحة لمستقبل البلاد وتشكيل التحالفات على هذا الأساس ووضع هموم الشارع العراقي نصب أعينها بعيداً عن أي تمترس طائفي أو مذهبي يعيد البلاد إلى نقطة الصفر.

وبالإضافة إلى العامل الداخلي وهمومه يجب علينا ألّا ننسى العامل الخارجي الذي يسعى لتغذية الخلاف بين العراقيين فهناك دول وجماعات يعنيها بالمقام الأول أن يبقى العراق غارقاً في دوّامة الصراعات وألّا يخرج ليمارس دوره الفعلي الكبير في محيطه العربي والإقليمي، وفي هذا الصدد فإن سياسيين عراقيين وضعوا النقاط على الحروف ووجهوا أصابع الاتهام بإشعال الفتنة في البلاد إلى كل من النظام السعودي وحزب البعث العراقي المنحل اللذين يسعون إلى حرف المظاهرات المشروعة عن مسارها السلمي وجرّها كما حدث سابقاً إلى الفوضى الأمنية في البلاد وتحقيق مخططاتهم لضرب العملية السياسية فضلاً عن دخول المتظاهرين بالصدام المسلّح مع القوات الأمنية ما يعيد البلاد الخارجة حديثاً منتصرة من حربها مع تنظيم داعش الإرهابي إلى الفوضى وعدم الاستقرار من أوسع أبوابها.

ولم تتوقف الرياض عن جسّ نبض الشارع العراقي وخلق صراع بين أبناء الشعب لأن السعودية راهنت على موضوع الانتخابات وتحركت كثيراً على موضوع العدّ والفرز الإلكتروني، واستطاعت أن تدخل مجاميعها التي تريد دفعها للانتخابات بحضور شخصيات كانت حاضرة في ساحات عديدة.

بالإضافة إلى هذا دخلت رغد صدام حسين على خط المظاهرات وحاولت كعادتها ركوب الموجة على أمل العودة إلى الساحة الإعلامية في الوقت الضائع، وغردت رغد على هاشتاغ “نداء 88” على منصة التواصل الاجتماعي والذي دعا إلى القيام بثورة في محاولة واضحة لاختراق بعض المظاهرات لغرض تأجيج الشارع العراقي.

في الختام لا بدّ من القول أن العراق في مرحلة ما بعد داعش أمام مجموعة من الاستحقاقات لا تقلّ عن مرحلة الحرب على الإرهاب نفسها والمطلوب الآن التركيز على خطط إعادة الإعمار وتحويل هذه الخطط إلى واقع ملموس والانطلاق بمرحلة الحرب على الفساد التي لا تقل أهمية عن الحرب على تنظيم داعش الإرهابي هذه الحرب يجب ألّا تكون موجّهة ضد أي حزب أو جهة سياسية بل موجهة ضد كل من تورط في قضايا الفساد سواء أكانوا سياسيين أم أحزاب أم زعامات أم شركات أم رجال أعمال، ومنع الفاسدين من التمترس خلف أي حزب أو دين أو طائفة ورفع هذه الأغطية عنهم بشكل علني، فاليوم العراق والعراقيون بحاجة إلى الرجال الوطنيين الذين لا يرتهنون إلى أي ضغوط سياسية وبحاجة إلى وضع الإنسان الكفوء في موقعه ولا نعتقد أن بلاد الرافدين ينقصها الرجال الوطنيين أو الكفاءات العملية والإدارية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق