التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, أبريل 23, 2024

ماذا يُريد نتنياهو من مسرحيّة النووي الإيراني.. وكيف ردّ عليه الإسرائيليون؟ 

يأبى رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلا أن يجعل من نفسه أضحوكة للعالم بأسره من خلال تصريحاته التي باتت أقرب إلى المسرحيات الهزلية التي بات يُرددها مراراً وتكرارًا، وخصوصاً تلك التصريحات التي تتعلق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث لك يكف نتنياهو عن اجترار أحاديثٍ بات العالم بأسر يُدرك زيفها، غير أنّه مُصرٌّ على تكرار تلك الأحاديث علّ أحدًا يُصدقه ويأخذ كلامه على محملِ الجد، غير أنّ دولةً واحدةً لم تُعر اهتمامًا لتلك التصريحات باستثناء أمريكا التي باتت تتناغم مع التصريحات التي يُطلقها نتنياهو.

نتنياهويات سوداء

بدايات المسرحيات التي من الممكن تسميتها بالـ “نتنياهويات سوداء” كانت في الأمم المتحدة في العام 2012، حينما لبس نتنياهو ثوب الرسامين وبدأ برسم لوحة “سريالية” على ورقة كبيرة تُظهر قُنبلة على وشك أن تنفجر وذلك للدلالة على البرنامج النووي، في تجسيدي لواقع الذي يتمناه أو ربما يخافه نتنياهو، وخلال عرضه لتلك اللوحة قال نتنياهو إنه استند إلى معلومات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل إن إيران وابتداء من صيف 2013 “على أقصى حد” لن تعود بحاجة إلا “لبضعة أشهر وربما بضعة أسابيع للحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلتها الأولى”.

غير أن تكذيب نتنياهو لم يخرج من طهران بل خرج من تل أبيب ذاتها فبعد أسابيع من هذه الواقعة أفرج جهاز الموساد عن وثيقة تؤكد أن إيران لا تملك القدرات اللازمة لصنع قنبلة نووية، كما أنّ إيران وبحسب التقرير ذاته لا تبدو جاهزة لتخصيب اليورانيوم بنسبة كافية لصنع قنابل نووية.

أما المسرحية الثانية فكانت في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عُقد في شباط/ فبراير الماضي، إذ خرج نتنياهو مُلوحًا بجسم حديدي غير معروف الملاح لتبدأ المسرحية هنا حينما ادعى نتنياهو أنّها طائرة إيرانية بدون طيار انطلقت من الأراضي السورية وتمّ اسقاطها في فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي شكّل نوبةً من الضحك الهستيرية لحاضري المؤتمر، أما طهران وهي المعني الأول بتلك التصريحات الهزلية فقالت إنّ ما تفوّه به نتنياهو لا يعدو كونه نوعاً من الهزل الذي اعتاد عليه العالم، وأنّ أحدًا في العالم لم يعد يُصدق الروايات الإسرائيلية.

أما المسرحية الثالثة والتي شهدها العالم أجمع مساء أمس تتلخص بنشر نتنياهو لـ 55 ألف ورقة، مُدّعياً أنّ جهاز المخابرات الإسرائيلي تمكن من جمعها وهي وثائق تخُصُّ برنامج إيران النووي حسب زعمه، وأنّ هذه الوثائق وتثبت وجود برنامج سري في إيران، غير أنّ تصريحات نتنياهو هذه تدحضها تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية، أما المُفارقة الأخرى فهي أنّ هذه المسرحية شبيه بتلك التي مثّلها نتنياهو قبل ستّةِ أعوام في الأمم المتحدة، والتي كذّبها الموساد الإسرائيلي حينها.

مواقف متباينة

ادعاءات نتنياهو تلك قسمت العالم إلى قسمين مكذب ومصدق، إذ انضمت أمريكا إلى الفرقة الإسرائيلية في الترويج لادعاءات نتنياهو، فيما وقف العالم بأسره مُكذِّبًا لتلك الادعاءات، غير أنّ الطعنة لم تأتي لنتنياهو من إيران وهي المُستهدف بكلام نتنياهو؛ بل أتته من الإسرائيليين أنفسهم، فبعد عرض تلك الوثائق أكد عدد من المحللين الإسرائيليين في الصحف الإسرائيلية ولا سيما هآريتس أن الوثائق التي عرضها نتنياهو موجودة على موقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو الأمر الذي شكّل حالة من عدم الارتياح داخل المجتمع الإسرائيلي، إذ تبيّن وبما لا يدع مجالاً للشك أنّ رئيس حكومتهم يكذب عليهم جهارًا نهارًا، وذلك للهروب من تهم الفساد التي تلاحقه.

أما أمريكا وهي التي تُهدد بالخروج من الاتفاق النووي؛ وبعد أن عرض نتنياهو تلك الوثائق خرج وزير خارجيتها مايك بومبيو، ليُغرد مع الجوقة الإسرائيلية مؤكداً أنّ إيران أخفت عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أرشيفًا نوويًا ضخمًا حول التكنولوجيا النووية، كما تظهر الوثائق بحسب بومبيو أن إيران تملك لسنوات برنامج سري لتطوير الأسلحة النووية.

أما الاتحاد الأوروبي وهو المعني الآخر بالاتفاق النووي بسبب توقيع ثلاثة من أعضائه على ذلك الاتفاق، أكد وعلى لسان الممثلة العليا لشؤون السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني أن إيران امتثلت وبشكلٍ كامل لالتزاماتها التي يقتضيها الاتفاق النووي المبرم معها، وأشارت موغيريني إلى أنّ الاتفاق النووي ليس قائماً على افتراضات تتعلق بحسن النية أو الثقة، ولكنه قائم على التزامات راسخة وآليات تحقق ومراقبة صارمة للغاية.

بدوره المتحدث باسم الحكومة الألمانية أكد أنّ بلاده ألمانيا ستحلل المعلومات التي قدمتها إسرائيل عن أنشطة إيران النووية لكن يجب الإبقاء على عمليات التفتيش المستقلة، مشيرًا إلى أنه من المهم الحفاظ على المراقبة المستقلة للتأكد من أن إيران تمتثل للاتفاق، منوّهًا بتنفيذ اتفاق غير مسبوق مع نظام مراقبة قوي وشامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

أما المتحدث باسم الحكومة البريطانية أكّد أنّ لندن لم تكن مطلقاً ساذجة بشأن البرنامج النووي الإيراني وإن عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية مهمة لضمان استخدام هذا البرنامج لأغراض سلمية، منوّهًا بأنّ نظام التفتيش ما يزال وسيلة مهمة بشكل حيوي للتحقق على نحو مستقل من التزام إيران بالاتفاق، مؤكدًا في الوقت ذاته على أنّ برنامج إيران النووي سلمي تماماً.

أما تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد أكدت وفي أكثر من 10 تقارير لها على عدم وجود أيّة أبعاد عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، مشيرةً إلى أنّ برنامج طهران النووي وكافة وأنشطتها النووية سلميّة ولا تحمل أيّة أبعادٍ عسكرية.

أهداف مُبطنة

أما أهداف نتنياهو من هذا العرض المسرحي الهزلي تأتي بهدف حض إدارة الرئيس الأمريكي ترامب على إضافة ملحق آخر للاتفاق النووي يتضمن الرقابة على البرنامج الصاروخي الدفاعي لطهران، حيث أنّ مسعى أمريكا الأساسي من التهديد بالخروج من الاتفاق النووي هو العمل على إجراء مفاوضات على البرنامج الصاروخي الإيراني، وهو ما تؤيده فيه بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الأمر الذي ترفضه طهران بشكٍ قاطع، مؤكدةً أنّ برنامجها الصاروخي غير قابل للتفاوض، كما أنّ الصواريخ البالستية غير موجودة في نص الاتفاق النووي.

أما الهدف الآخر لنتنياهو من ذلك العرض هو تقديم المزيد من الهدايا لواشنطن بهدف الإسراع بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المُحتلة، وهو الأمر الذي يسعى إليه نتنياهو وبشكلٍ سريع للتغطية على قضايا الفساد التي تلاحقه.

وأخيرًا يبدو أنّ هدف ذلك العرض المسرحي يأتي للتغطية على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، خصوصاً بعد عمليات القتل المُمنهج التي يقوم بها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين المتظاهرين في قطاع غزة والذين وصل عدد شهدائهم إلى أكثر من 120 شهيدًا منذ بداية نشاطهم إثر وعد ترامب بنقل السفارة إلى القدس المُحتلة.

خلاصة القول أنّ مُحاولات نتنياهو العديدة لن يجني منها أيّ طائل، خصوصاً وأنّ المجتمع الدولي عمومًا بات يدرك الكذب الإسرائيلي المستمر، ناهيك عن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أكدت جميعها سلمية برنامج طهران النووي، أما رغبة نتنياهو بإضافة ملحق للاتفاق النووي من أجل برنامج طهران الصاروخي؛ فهو قبل غيره يعلم عِلم اليقين أنّ طهران لن تقبل بإضافة مثل هكذا بند على الإطلاق.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق