التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, أبريل 25, 2024

الإمارات و سياسة اللعب بالنار ما وراء الحدود 

تلعب دولة الإمارات العربية دورا على الصعيد السياسي و الإقتصادي و حتى العسكري يفوق حجمها و يتخطى حدودها الإقليمية، فالدولة التي لا تبلغ مساحتها 83600 كلم مربع لعبت بمصير أنظمة حكم في دول تفوقها أضعافا من حيث المساحة و التسلح وعدد السكان. ونجحت في فرض سياستها في بعض الدول وفشلت في أخرى كما سنذكر لاحقا، و لكنها حتى عندما فشلت في مشاريعها العابرة لحدود الوطن العربي، تركت صدمة في حكام تلك الدول لحجم تأثيرها و طريقة عملها من حيث التمويل و التحريض و إدارة الأمور، و هي لا تتلكأ في دفع الملايين و المليارات لفرض رؤيتها و تنفيذ خططها حتى في أمور قد تبدو للمتابعين غير مفهومة أو غير مبررة.

و آخر فصول السخاء الإماراتي الذي تلفه الريبة، قرارها بدفع مبلغ 15 مليون دولار شهريا لقطاع غزة المحاصر. فقد كشف الصحفي والمحلل الإسرائيلي “يوني بن مناحيم” عن لقاء جرى في القاهرة جمع وفدًا من دولة الإمارات العربية المتحدة بوفد من قطاع غزة، تعهدت خلاله بتقديم مساعدات مالية بمبلغ 15 مليون دولار شهريا الى القطاع.

الإمارات ومن خلال تلك الخطوة تسعى لإخراج قطاع غزة من تحت العباءة القطرية التي تفرض عليها دول مجلس التعاون الخليج الفارسي حصارا لمعاقبتها على لعب دور أكبر من حجمها هي الأخرى مما أثار حنق السعودية بالخصوص. لكن ألا تمارس الإمارات و منذ سنوات طويلة نفس الأسلوب؟ ألا تخاف السعودية من سرقة الأضواء منها عبر الجار الإماراتي؟

في الواقع فإن كلا الدولتين لعبتا و تلعبا دورا إقليميا يزعج السعودية التي تعتبر نفسها الشقيقة الكبرى لدول الخليجیة، و لكن ما تفرضه من قيود على قطر أو البحرين لا يمكنها فرضه على الإمارات و لعدة أسباب منها:

تستقطب الإمارات العربية رضى الدول الأوروبية و أمريكا، و ترى فيها الأخيرة شريكا أساسيا لا يقل أهمية على أرض الواقع عن السعودية، وتأخذ الأمارات المنحى العلماني البعيد عن القيود الدينية في تعاملاتها و قوانينها و تجاراتها، و حتى في كتبها التعليمية، عكس السعودية التي التزمت الفكر الوهابي و تطبقه في قوانينها و تدرسه في مدارسها. لذا يرى الغرب إجمالا بأن التعاطي مع الإمارات أضمن و أكثر سلاسة. لذا فالضغط على الإمارات سيقابله ضغط أمريكي على السعودية التي تتحاشى التوتر في العلاقات مع أمريكا خصوصا بعد إقرار قانون “جاستا”، العصا التى تهدد فيها أمريكا حكام السعودية بين الحين و الآخر، و بعد التلميحات الأمريكية للسعودية بدعم الإرهاب و بأن الفكر الوهابي هو منشأ الجماعات المتطرفة و الإرهابية.

للإمارات العربية أهمية اقتصادية كبرى كونها واجهة بحرية تستقطب موانىء مهمة كميناء جبل علي و ميناء زايد و غيرها، فهي بوابة ترانزيت مهمة للكثير من دول العالم، كما أن مطار دبي يعد من أكبر مطارات العالم، ما يعني أن للإمارات ثقل اقتصادي كبير بغض النظر عن مخزونها الاستراتيجي من النفط، ثقل يعطيها غطاء يمنع المضايقات السعودية، على الرغم من أن الخلاف بين الدولتين قائم منذ اتحاد الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات و خلافها مع السعودية على ترسيم الحدود (سيطرة السعودية على ساحل بطول حوالي 50 كم يفصل بين قطر والإمارات بعد اتفاقية جدة عام 1974)، وصولا إلى الخلاف الواضح في اليمن و الذي تناولناه في مواضيع سابقة.

هذه الأسباب و غيرها تشكل مظلة للإمارات تحميها من الحصار كما يحصل مع شقيقتها الأصغر قطر، و قد استفادت الإمارات من هذه المظلة و نقلت نشاطها الى خارج حدودها فكان لها أدوار رئيسية في العديد من الإنقلابات و الأحداث العسكرية، التي تحمل بمعظمها طابع اقتصادي إلى جانب سعيها في مسك الزعامة الخليجية شيئا فشيئا، و هي لم تستثني من نشاطاتها حتى إسرائيل في أكثر من محطة. و الشواهد على هذا الكلام كثيرة لا يسعها المقال و لكن بعرض سريع يمكن ذكر ما يلي:

– الإنقلاب الفاشل الأخير الذي حصل في تركيا. فبعد أسبوعين من المحاولة التي وقعت منتصف يوليو 2016، كشفت مصادر في الاستخبارات التركية لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عن تعاون جرى بين الحكومة الإمارتية وبين مدبري الانقلاب.

– ساهمت بسقوط حكم مرسي و الإخوان في مصر عبر تقديم دعم مالي كبير لحلق حالة من التمرد، كما مولت بملايين الدولارات وسائل إعلام مصرية لخدمة أجندتها السياسية كما ذكرت وثائق ويكيليكس.

– العمل في اليمن على انفصال الجنوب، بما يحقق لها السيطرة الكاملة على ميناء عدن ومضيق باب المندب، ما يعني مصالح اقتصادية واستراتيجية غاية في الأهمية.

– حتى سلطنة عمان لم تسلم من التدخل الإماراتي ففي 2015 تحدثت تقارير إعلامية عن عمليات شراء غير مسبوقة يقوم بها ابن زايد لأراض وولاءات قبلية شمالي السلطنة على الحدود مع الإمارات، خاصة محافظة “مسندم” المطلة على مضيق هرمز الحيوي، بالتزامن مع أخبار بشأن مرض السلطان قابوس والحديث عمن يخلفه في حكم السلطنة.

– في إفريقيا أيضا و تحديدا إريتريا، أنشأت الإمارات أول قاعدة عسكرية خارج حدودها، وتحديدًا في محيط ميناء عصب الذي تحول إلى قاعدة جوية حديثة وميناء عميق المياه ومنشأة للتدريب العسكري.

و نختم بفلسطين حيث كشفت وثائق ويكيليكس لقاء جرى بين وزير الدفاع “الإسرائيلي” أفيغادور ليبرمان ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، قبل الحرب الأخيرة على غزة عام 2014، أوصاه فيها الأخير بسحق حركة حماس. ما يطرح التساؤل عن هدف الإمارات من ضخ 15 مليون دولار في قطاع غزة الذي طلبت من إسرائيل سحق شعبه؟ و هل سينفع التقارب بين بن زايد و بن سلمان الأمير الذي يوشك أن يصبح الملك، في تأطير الخلاف و حلحلته، أم أن طموحات الإمارات ستدفع إلى خلاف قد يصبح حصارا و أكثر؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق