التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, أبريل 24, 2024

الثالوث السياسي يكتمل.. حكومة وطنية مقابل حكومة المنفى 

تجري التحضيرات اليمنية على قدم وساق للانتقال إلى خطوة جديدة تتمثّل في تشكيل حكومة وحدة وطنية في القريب العاجل حيث ناقش المجلس السياسي الأعلى بالأمس في القصر الجمهوري بصنعاء الإجراءات اللازمة.

الحكومة اليمنية، التي تعد الحلقة الأخيرة في مسلسل الثالوث السياسي، تأتي استكمالاً لخطوات سابقة بدءاً من المجلس السياسي وليس انتهاءً بمجلس النواب، وباتت اليوم حاجة ملحّة في ظل استمرار العدوان على اليمن، لاسيّما مع أفول العدوان ووصوله إلى طريق مسدود معتمداً استراتيجية “أنا أضرب إذاً أنا موجود”.

ويأتي كلام صالح الصماد رئيس المجلس السياسي بعد أيام قليلة على ما أعلنه وزير الخارجيّة الأمريكي جون كيري في مؤتمره الصحفي المشترك مع نظيره السعودي عادل الجبير حيث قال إنه “يجب العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة سريعا ونقل الأسلحة الثقيلة ومنها الباليستية (من يد أنصار الله) إلى طرف ثالث وضمان شراكة الحوثيين”.

الوزير الأمريكي الذي أعلن أن العملية العسكرية التي بدأتها السعودية وتحالفها العسكري في اليمن منذ آذار/ مارس العام الماضي استمرت “أكثر مما يجب” و”آن لها أن تنتهي”، حاول استباق خطوة الجانب اليمني بتشكيل حكومة وحدة وطنية باتت اليوم حاجة أكثر من ملحّة لإدارة الأزمة في البلاد، خاصّة أن الحصار السعودي القائم يفرض على القيادات الوطنية التعاطي بمسؤولية كبرى تجاه حاجات الشعب اليمني ومتطلّباته الإنسانية.

ورغم أن هذه الخطوة باتت مسألة وقت لا أكثر، إلا أنها ستجابه باعتراضات من الطرفين السعودي والأمريكي. حكومة “بن دغر” التي تتخذ من الرياض مقرّاً لها، أدركت سريعاً خطورة هذه الخطوة على مستقبلها السياسي خشية أن تصبح “حكومة المنفى”، لذلك فقد أعلن نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في حكومة “بن دغر” عن حزمة قرارات بتغييرات وشيكة في السفارات والبعثات الدبلوماسية اليمنيّة في الخارج. هذه الخطوة تنمّ عن الخشية التي تنتاب هادي وفريق الرياض من إعلان السفراء اليمنيين حالياً دعمهم لحكومة صنعاء، بدلاً من حكومة المنفى، الأمر الذي سيعزّز وضع الحكومة الوطنية على الصعيد الدولي.على سبيل المثال لا الحصر، حظي الوفد اليمني المتواجد حالياً في العراق باستقبال شبه رسمي في وزارة الخارجية العراقية حيث يلتقي الوفد مع وزير الخارجية العراقي الدكتور إبراهيم الجعفري، كما سيجري سلسلة لقاءات مع عدد من المسؤولين الرسميين والقيادات السياسية في العراق.

لا ريب في أن الاعتراف الدولي يعد أحد أبرز العوائق التي تعترض الحكومة على الصعيد الخارجي، إلا أنها في الوقت عينه تشكّل وسيلة ضغط كبرى على السعودية ومشروعها في اليمن، فضلاً عن كونها ضربة ثالثة تقصم ظهر المشروع المعد لليمن عموماً، وحركة أنصار الله على وجه الخصوص.

لا تقتصر الخشية السعودية، ومن خلفها الأمريكية، على أبعاد هذا التشكيل سواءً الإقليمية أو الدولية، بل هناك خشية جادّة من أي قرارات قد تتخذها الحكومة من قبيل تفعيل محاسبة الرياض بخصوص جرائم الحرب المرتكبة في الأروقة الدولية، أو حتى اتخاذ أي قرار يشرعن اللجان الشعبية اليمنية كمؤسسة عسكرية رسمية تؤازر الجيش في مواجهة أي عدوان قد يطرأ، أو حتى الجماعات الإرهابية كالقاعدة وتنظيم داعش الإرهابيين.

ما بعد الحكومة الوطنيّة

الثابت والأكيد والنهائي أن خطوة تشكيل الحكومة، ستكون نقطة البداية لمرحلة جديدة من المفاوضات تُنهي حكاية العدوان السعودي، وتؤسس لمرحلة جديدة تُعد فيها القوى التي دافعت عن اليمن أبرز أقطابها، سواءً رضيت السعودية، ومن خلفها أمريكا، بذلك أم لم ترض. كذلك، يتوجّب على المجتمع الدولي عدم التغافل عن المطالب الشعبية اليمنية، وفي مقدّمتها المجلس السياسي، بل يجب الإلتفات إليها باعتبار أن الشعب منبع الشرعية في أي بلد ما.

لا ريب في أن المجلس السياسي يعد الممر الإلزامي لأي مفاوضات ومحادثات مرتقبة، وربّما يكون الوفد الحكومي ممثلاً لصنعاء، إلا أنها ستحصل وفق الشروط اليمنية، أي وقف العدوان، فقد أكّد المجلس السياسي خلال اجتماعه بالأمس تعامله الإيجابي مع أي مبادرات تقوم على أساس وقف العدوان، وبالتالي عدم الاكتراث لأي مبادرة لا تقوم على هذا الأساس واعتبارها بحكم المنتهية.

المفاوضات اليمنية المقبلة، وإن كُتب لها النجاح ستكرّس واقعاً جديداً لن يلغي أيّ أحد من الأطراف اليمنية، بل ستأخذ الكتل اليمنية أحجامها الحقيقية، ولا شرعية سوى للشرعية الشعبيّة التي شاهدنا أبرز نماذجها في ميدان السبعين في 21 أغسطس/ آب الجاري. بعبارة أخرى، حتى لو أنتجت المفاوضات حكومة جديدة تمثّل كافّة الأطراف اليمنية، فإن الوزارات السيادية لن تكون حكراً على “أصحاب الهوى” السعودي، كما حصل إبان “المبادرة الخليجيّة”.

في الخلاصة، وكما في الميدان كرّست قوات الجيش واللجان الشعبية واقعاً جديداً في ثالوث عسكري بدأ بالصواريخ الباليستية، ليمرّ عبر وأد معركة صنعاء في مهدها، ويصل إلى فتح “جبهة ما وراء الحدود” في الجنوب السعودي أو الشمال اليمني كما يسمّيه اليمنيون باعتبار أن محافظات عسير وجيزان ونجران يمنية الأصل سعودية الواقع، ففي السياسة أيضاً يكتمل ثالوث آخر بدأ في المجلس السياسي ومرّ عبر البرلمان، ليصل، قريباً، إلى الحكومة التي ستقصم ظهر السعودية سياسياً، كما هو الحال ميدانيّاً.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق