التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, أبريل 19, 2024

السعودية والمخاطر الحتمية: إصلاحٌ أو إفلاسٌ 

في ظل الأزمات المالية العاصفة في الإقتصاد العالمي، أصبحت السعودية مثالاً للدولة التي تعاني على الصعيدين المحلي والدولي. ففي وقتٍ تعيش الرياض حالةً من الصراع النظامي على الحكم داخلياً، يواكب ذلك خطرٌ تحمله التقارير الإقتصادية، ولا يُخفيه الإعلام السعودي، وأروقة النظام الملكي. فيما يبدو وبوضوح، صعوبة الخروج من الأزمات التي تتعلق بالوضع الحالي للرياض، لغرقها في مساراتٍ لا يمكن لها التراجع عنها. وهو الأمر الذي يتمثَّل في سياساتها تجاه الدول والقائمة على دعم الإرهاب كجزءٍ من سياسة التمدُّد الإقليمي، الى جانب سياساتها الخاطئة داخلياً. فيما يجب الإلتفات الى أن الحقيقة القائلة بأن الإصلاح الإقتصادي يجب أن يتزامن مع إصلاحٍ سياسي، تُعتبر التحدي الأكبر الذي يستحيل اللجوء إليه من قِبل النظام السعودي، كغيره من الأنظمة العربية. فماذا في الحقائق حول الوضع الإقتصادي للسعودية؟ وكيف يمكن تحليلها وقراءة الدلالات المستقبلية؟

حقائق حول الوضع الإقتصادي للرياض

بحسب تقريرٍ نشره معهد ماكينزي الإستشاري العالمي (McKinsey) نهاية العام المنصرم، والذي تحدث فيه عن أبرز التحديات الإقتصادية التي تواجه السعودية، وجدوى الحلول المطروحة لها، يمكن ملاحظة حجم المخاطر التي تعيشها الرياض، وهنا نُشير للتالي بالإعتماد على أهم ما ذكره التقرير:

سعر النفط العالمي: يُعتبر انخفاض سعر النفط، أحد أكبر المشكلات التي تؤثِّر على الإقتصاد السعودي، كونه يعتمد على تجارة النفط العالمية، بنسبة 80 إلى 85% في إيراداته كافة. وهنا فإن انخفاض قيمة النفط من 110 دولار للبرميل في عام 2014 الى 35 دولار في العام الحالي، أدى لإنخفاض إيرادات السعودية بشكلٍ كبير وصولاً لحدوث عجزٍ قُدِّر بـ 100 مليار دولار كحدٍ أدنى. وهو الأمر الذي جعل الرياض أمام أخطر تحدٍ في تاريخها، يُعتبر الأصعب، لحاجتها لتنويع مصادر إيراداتها، وعدم الإعتماد على النفط. وهو ما يحتاج بحسب التقرير، لسنواتٍ من التخطيط والتجربة، فيما قد يكون الأوان قد فات. حيث يمكن بحسب “ماكينزي”، تحقيق ذلك عام 2030، شرط وصول الإيرادات غير النفطية من 10% اليوم الى ما بين 70 و80% حينها.
إستخدام المدخرات في تغطية وتنفيذ سياسة الدعم الحكومية: بحسب التقرير فإن قيام السعودية بزيادة الإنفاق من المدخرات يعني تلاشيها بعد خمسة أعوام. وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي. فيما تُعتبر سياسة التقشف التي قررت السعودية اعتمادها، مدخلاً للمشكلات الإجتماعية، حيث سينخفض الدخل الشهري للأسرة، بمعدل 20% مما يعني تفاقم الوضع الإجتماعي والمعيشي.
البطالة: تعتمد الرياض بشكلٍ كبير على العمال الأجانب. وهو ما يجعل البطالة المحلية تتفاقم، خصوصاً في ظل الوضع الحالي. حيث تُشير التقارير الى أنه بين 35 و40% من الطبقة الشابة في السعودية، تعاني من البطالة. فيما تتجاوز فيه نسبة العمال الأجانب 55%.
الحروب الخارجية للسعودية: شكَّلت التدخلات الكبيرة للرياض في شؤون الدول الأخرى، لا سيما اليمن وسوريا، مشكلةً إقتصادية للسعودية، حيث أنفقت الكثير من المال في شراء السلاح والمرتزقة، وهو ما يتمثل في احتلالها المركز الثالث عالمياً بعد أمريكا والصين في تجارة السلاح.
التحديات الأمنية الداخلية: شكلت التهديدات التي أطلقها تنظيم داعش الإرهابي في الرياض، تحدياً أمنياً، أثقل كاهل المؤسسة الأمنية بحسب التقرير. خصوصاً لأسبابٍ تتعلق بالإنفاق على الخطط الأمنية وتنفيذها.
تحليل للواقع الحالي

لا شك أن تحليل الوضع السعودي يجعلنا أمام عددٍ من الأمور التي يمكن سردها بالتالي:

إن استمرار سعر النفط في التراجع، والوتيرة المتزايدة في عملية إستهلاك مدخرات الإحتياط المالي من قبل الحكومة، يجعل الرياض تعاني من مشكلة بيع المزيد من السندات الحكومية وضعف قدرتها في تأمين الضمانات المطلوبة للإقتراض من الأسواق الخارجية والمؤسسات الدولية. لذلك يجد الخبراء أنه من الأولى التوجه نحو سياسة الإصلاح الإقتصادي، والتي يمكن أن تؤَمن مصادر لتنويع إيرادات الإقتصاد السعودي.
وهنا فإن من أهم الأمور التي يجب أخذها بعين الإعتبار، هو أن مسألة الإصلاح الإقتصادي لا يمكن أن تتم دون إصلاحٍ سياسي، أي في النظام. وهو ما يُعتبر مُستبعداً في دولة كالسعودية، لأسبابٍ سياسية واضحة. خصوصاً أن التجربة هذه تتقاطع مع التجارب العربية الأخرى، والتي فشلت لنفس السبب المُتعلق بإزالة فكرة الإصلاح السياسي وعدم قبول الأنظمة ربطها بالإصلاح الإقتصادي.
لكن الأمور بمنظورها الحالي، تبقى سوداوية المشهد. حيث أن الواقع الذي تعيشه الرياض على الصعيد العالمي، ودخولها في تمويل حروب الإرهاب، الى جانب فشلها في تأمين سمعةٍ دولية، كلها عوامل تجعل المسار الذي تسلكه الرياض، مساراً غير قابلٍ للتراجع عنه. الى جانب أن مسألة إعتماد سياسة التقشُّف على الصعيد الداخلي، يجعل الرياض تتجه لتحدياتٍ داخلية، تجعلها تقف بين خياري التمرُّد الإجتماعي، أو الإفلاس الحتمي.
لا شك أن الحقائق تُشير لما هو واضحٌ في وصف الوضع السعودي. مما يجعل تحليل المستقبل أو التنبؤ به سهلاً. فيما يغيب عن بال الكثيرين أن مسألة الإصلاح الإقتصادي، لا يمكن أن تحصل دون إصلاحاتٍ سياسية تواكبها. وهو الأمر الذي يعرف الكثيرون أنه مستحيل، لا سيما في ظل دولٍ تحكمها عائلات. مما يجعلنا نعتقد بأن الرياض باتت أمام تحدياتٍ أحلاها مُر، فإما إصلاحٌ في السياسات أو إفلاسٌ مالي حتمي.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق