- وكالة الرأي الدولية - https://www.alrai-iq.com -

تركيا في العراق؛ أهداف وغايات

“تركيا لا تنوي سحب قواتها من العراق”، هكذا حسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقف بلاده من قضية اجتياح القوات التركية للأراضي العراقية، ولم يغيّر موقفه رغم كل التنديدات العراقية والدولية بالخطوة التركية التي اعتبرها حيدر العبادي، رئيس الحكومة العراقية، اختراقًا لسيادة وحرمة بلاده، وهذا يشير إلى أن أنقرة ترى في دخول العراق مصلحةً استراتيجية تفوق ضرر التنديدات والخطوات الدولية التي قد تتعرض لها إثر ما أقدمت عليه.
لا يمكن تحليل الخطوة التركية بشكل منفصل عن تغيرات المنطقة التي تشهد حالة من الانقسام، محور المقاومة من جهة، والمحور الأمريكي ومن معه من جهة أخرى، إضافة إلى أن الخطوة التركية هذه جاءت بعد تفجيرات باريس وبعد أن بات الحل السياسي للأزمة السورية مطروحًا بشكل أكثر جدية من أي وقت مضى، ومن هذا المنطلق يمكن دراسة الخطوة التركية التي زعمت أنقرة أنها جاءت بناءً على طلب بغداد، لتقوم الحكومة العراقية في وقت لاحق بنفي هذا الأمر.
في هذه المجريات يمكن تقسيم أهداف أردوغان من إرسال قواته إلى داخل الأراضي العراقية إلى ثلاثة أقسام، الأول أهداف قريبة المدى، إذ تهدف أنقرة إلى توتير الأجواء منعًا للحل السياسي الذي على ما يبدو أنه سيرتسم دون أن يكون لها نصيب من نتائجه رغم أنها قدمت الكثير للتنظيمات التكفيرية في المنطقة، بالإضافة إلى أن تركيا ستكون قادرة على إمداد وإدارة تنظيم داعش الإرهابي بشكل أكبر من خلال تواجد قواتها في العراق، وخاصة أن هذا التنظيم بدأ ينكسر أمام القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي التي استعادت السيطرة على مساحات كبيرة من المناطق التي اجتاحها التنظيم، كما يمكن تفسير هذه الخطوة بأنها ردٌ على العقوبات الروسية والغضب الروسي الذي حل على الأتراك، فأردوغان يحاول أن يثبت لموسكو أنه لا يزال يقدر على رسم ملامح المنطقة الجديدة.
القسم الثاني من الأهداف التركية يختص بالمستقبل القريب، إذ تحاول تركيا تقوية علاقاتها مع تيارات المعارضة العراقية التي ستستغل فرصة تواجد القوات التركية لتحسن موقعها، وخاصة أن علاقات بغداد مع أنقرة بدأت تنهار، كما أن أنقرة يمكن أن تستفيد سياسيًا من تواجد قواتها في العراق في أي حلٍ مقبل، وخاصةً أنها خسرت ورقة سورية بعد دخول روسيا المعركة إلى جانب الجيش السوري، اما القسم الثاث من غايات أردوغان فهو مرتبط بالمستقبل البعيد، إذ تحاول تركيا تطبيق مخطط تقسيم العراق، وهذا ما أشار إليه كفاح محمود، مستشار مسعود البرزاني، عندما اعتبر أنه حان الوقت لرسم خريطة جديدة للمنطقة يكون الأكراد على رأسها.
الخطوات التركية هذه وإن كانت تجري في الظاهر دون علم أو موافقة الأمريكيين حسب ما أكدته واشنطن، إلا أنها تنال التأييد الباطني وبقوة من الراعي الأمريكي، ومن المؤكد أن أردوغان لن يجرؤ على اتخاذ خطوة تغضب حلفائه الأمريكيين وخاصة أن علاقاته مع موسكو أصبحت على شفا حفرة المواجهة العسكرية، فهو اليوم أحوج إلى الدعم الأمريكي من قبل، ولا يمكن الاقتناع بفكرة براءة واشنطن من ممارسات أردوغان، هذه الممارسات التي لا تصب إلى في خدمة السياسة الأمريكية الرامية إلى إشعال الحرب بين تركيا والدول المجاورة لها، بهدف إدخال المنطقة في اتون صراعات وحروب استنزاف لاتنتهي، وتنهك موسكو وحلف المقاومة، وعندها يمكن لواشنطن أن تستفرد في المنطقة بعد أن تكون قد أنهكت كل من فيها.
الخطوات التي يقدم عليها أردوغان لاتعبر إلا عن سياسة سطحية في بلاده، فأمريكا رغم دعمها غير المعلن لأنقرة ستتخلى عنه في قادم الأيام، وخاصة أنها تتجنب الصدام مع موسكو، وعندها ستحل لعنة الأيام على الأتراك الذين سيجدون الجميع من حولهم أعداء، ولم يبق لهم ناصر ولا معين، وهذا ما يمكن أن يعرضهم لكافة العقوبات الدولية بتهم متعددة، كدعم الإرهاب، واختراق سيادة العراق، وشراء النفط من تنظيم داعش الإرهابي، والكثير من التهم التي يمكن أن تجعل أنقرة مديونة للعالم سنوات طويلة.
المصدر / الوقت