التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, مارس 28, 2024

جدار الفصل في الضفة الغربية: نموذجٌ يعكس العنصرية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني المقاوم 

يعيش الفلسطينيون واقعاً من المعاناة التي إعتاد عليها العالم، دون تحريك ساكنٍ قد يُعيد للشعب الفلسطيني أرضه أو حقه بالحياة الهنيئة. لكن أحد أهم وأبرز أوجه المعاناة التي تدل من جهةٍ على عنصرية الكيان الإسرائيلي، فيما تدل من جهةٍ أخرى على روح المقاومة التي يتميز بها الشعب الفلسطيني، هي مسألة الجدار الفاصل في الضفة الغربية. فعلى الرغم من أن الكيان الإسرائيلي حاول قمع الإنتفاضة والقضاء على المقاومة الفلسطينية من خلال إقامة الجدار، ما يزال الكيان يعاني من آثار عدوانه، في وقتٍ بدأ يشعر المستوطنون أنهم أصبحوا في سجنٍ أقامته سلطاتهم، ولم يعد الضرر على الفلسطينيين فقط. فما هو الجدار الفاصل؟ وكيف يؤثر على حياة الفلسطينيين على الصعد كافة، دون أن يؤثر على خيارهم بالمقاومة؟ 

 

الجدار الفاصل: كيف بدأ وما هي مواصفاته؟

بدأت حكومة “أريل شارون” في حزيران ٢٠٠٢، ببناء جدارٍ عُرف بجدار الفصل العنصري، ويمتد على طول الخط الأخضر مع الضفة الغربية، تحت حجة منع تسلل منفذي العمليات الإستشهادية القادمين من الضفة الى الأراضي المحتلة. وجاء ذلك بعد أن أصدر شارون أوامره ببناء الجدار، إستكمالاً لعملية السور الواقي التي بدأت بها القوات الإسرائيلية في آذار من العام ٢٠٠٢، أي قبل ثلاثة أشهر حينها، وارتكبت فيها أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني. وقد تم إقرار إقامة هذا الجدار في شهر نيسان من العام ٢٠٠٢ وتم البدء بتنفيذه في شهر حزيران من نفس العام، بعد أن تسلم شارون رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وبلغ طول الجدار في مرحلته الأولى ١١٥ كم في شمال الضفة الغربية، على أن يصل في مرحلته النهائية إلى ٣٥٠ كم جنوب القدس، وقد تمت إزاحة الجدار بعمق ٦ كم شرق الخط الأخضر على حساب الأراضي الفلسطينية. ويتراوح عرضه من ٦٠ الى ١٥٠ متراً في بعض المواقع والمقاطع التي سيمر منها وبارتفاع يصل إلى ٨ أمتار. ويضاف إليه أسلاك شائكة، وخندق يصل عمقه الى أربعة أمتار وعرضه أيضاً نفس الحجم وهو يهدف لمنع مرور المركبات والمشاة، الى جانب إحتوائه على طريق للدوريات الإسرائيلية، وطريق أخرى ترابية مغطاة بالرمال لكشف الأثر. ويمتد معه سياج كهربائي مع جدار إسمنتي يصل ارتفاعه الى ٨ أمتار، مع وجود أبراج مراقبة مزودة بكاميرات وأجهزة استشعار.

وبحسب دراسةٍ لوحدة البحوث البرلمانية في مركز الدراسات الفلسطيني “وفا”، وقد إعتمدنا عليها في إعداد هذا التقرير، فإن القيود التي وضعتها سلطات الكيان الإسرائيلي، تحرم الفلسطينيين من الإستفادة من أكثر من ثلث مساحة الضفة الغربية، حيث تبلغ مساحة الأراضي الفلسطينية ٦,٠٢٠ كم٢ منها ٥,٦٥٥ كم٢ في الضفة الغربية و٣٦٥ كم٢ في قطاع غزة. كما وتؤدي إقامة هذا الجدار إلى مصادرة ١٠% من حجم أراضي الضفة الغربية بمساحة تصل إلى ١٦٠ – ١٨٠ ألف دونم. وهذا يعني بحسب الدراسة، فقدان الفلسطينيين ١٨% من حصتهم المائية في هذا الحوض والتي تبلغ ٢٢ مليون كوب سنوياً من أصل ٣٦٢ مليون كوب حسب اتفاقيات أوسلو.  

 

بعضٌ من نتائج إقامة الجدار وأهداف الكيان الإسرائيلي:

لا مُتسع لدينا للحديث عن حجم الضرر الذي يعود على الفلسطينيين نتيجة إقامة هذا الجدار. لكن يمكن القول إن هذه الأضرار شملت كافة الأصعدة الجغرافية والديمغرافية والسياسية والبيئية والإقتصادية والإجتماعية. وهنا نقول التالي بالإعتماد على دراسة المركز الفلسطيني:

– من الناحية الجيوسياسية، فمن شأن هذه التغيرات الذي يُرسيها بناء الجدار على خريطة الضفة الغربية، خلق واقعٍ جديد على الأراضي الفلسطينية، سينعكس بشكل مباشر على القضايا التي تتعلق بالحدود ومدينة القدس ومسألة المياه وتوسيع المستوطنات. وهنا نُشير الى أن الجدار سيخلق واقعاً جديداً للمدينة، فقد أشارت الدراسة الى أن هذه المشاريع الإسرائيلية ستؤدي الى تهويد القدس وعزلها وتحويل أحيائها إلى مناطق سكنية بين مستوطنات كبيرة وبؤر استيطانية مما يحقق نظرية القدس الكبرى ويمنع إمتدادها الطبيعي كعاصمة لفلسطين بعد إخراج قرى فلسطينية من حدودها كبلدية. 

– من الناحية الجغرافية والديمغرافية فقد أدى الجدار الى تقسيم الدولة الفلسطينية في محاولة لعزل الفلسطينيين عن بعضهم البعض. كما ساهم في مصادرة مساحة كبيرة من الأراضي الفلسطينية وضمها للكيان الإسرائيلي. وبحسب الدراسة يتركز مشروع الجدار على إقامة حزامين عازلين طوليين حزام في شرق الضفة بطول غور الأردن وحزام آخر غرب الضفة على طول الخط الأخضر بعمق(٥ – ١٠ كم). الى جانب إقامة أحزمة عرضية بين الحزامين الطوليين تكون بمثابة ممر بين منطقة جنوب “طولكرم” ومنطقة “نابلس” حتى غور الأردن مما يؤدي إلى تقسيم المناطق الفلسطينية إلى ٤ كتل رئيسية وهي (جنين – نابلس، ورام الله وبين بيت لحم والخليل) ويهدف هذا التقسيم إلى خلق فاصل مادي بين كتل المناطق تحت السيطرة الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية وبين المناطق الفلسطينية مع بقاء المستوطنات على حالها.

– من الناحية الإجتماعية والمعيشية، فقد أشارت الدراسة الى أن الجدار يمر بأراضٍ في الضفة الغربية ويؤثر على حياة ٢١٠,٠٠٠ فلسطيني يسكنون ٦٧ قرية ومدينة بالضفة الغربية. وهو ما يعيق وصول سكان المناطق الفلسطينية الريفية إلى المستشفيات في مدن طولكرم وقلقيلية والقدس الشرقية، بعد أن أصبحت هذه المدن معزولة عن باقي الضفة. 

– من الناحية الإقتصادية، فإن القرى في الضفة تعتمد على الزراعة، وهو ما أدى الى فقدان ٥٠% من الأراضي المروية وتدمير ١٢ كم من شبكات الري. فالزراعة تعتبر من أهم مصادر الدخل الرئيسية في تلك القرى الأمر الذي أدى الى تردي الوضع الإقتصادي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والى تدهور حالة العديد من العائلات الفلسطينية ودفعها إلى خط الفقر. 

على الرغم من مساعي الكيان الإسرائيلي لمنع العمليات التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية من خلال إقامة هذا الجدار، إلا أن النتيجة ليست كما يريد الإسرائيليون. فلا يمكن نكران حجم الضرر الذي لحق بالفلسطينيين نتيجة الجدار، لكن عمليات المقاومة لم تتوقف فيما يشعر الإسرائيليون بأنهم قاموا بحصار أنفسهم، وليس فقط عزل الفلسطينيين. مما يعني أن الکيان الإسرائيلي، وإن مضى قُدماً في تنفيذ مشاريعه العنصرية، فإنه لم ولن يحقق شيئاً من أهدافه فيما يتعلق بكسر الشعب الفلسطيني، أو منع روح المقاومة التي يتصف بها أهل الضفة كغيرهم من الفلسطينيين. فيما يبقى الجدار مثالاً حياً على العنصرية الإسرائيلية.  

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق