التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, مارس 28, 2024

بين رسالتين .. 

عبدالرضا الساعدي 
طريقة التفكير وأسلوبه وغاياته لدى السياسي ، ربما تتباين عن أمثالها لدى المواطن ، بحسب تباين واختلاف المهمات والأداء وطبيعة الرؤية لدى الطرفين ، ولكن بالرغم من هذا التباين والاختلاف لابد من توفر رسالة لدى هذا السياسي وذاك المواطن .. الرسالة تعني خلاصة ما نفكر به والهدف من مهماتنا وأدائنا خلال مرحلة من الزمن ، وكلما كانت المسؤولية أكبر والمهمات أبعد وأكثر خطورة وأهمية ، كانت الرسالة بمثل أهمية هذا التوجه  أو الفكر والطموح المشروع في صياغتها على نحو عملي ونظري ، في آن معا.
أحيانا ، أتساءل ما هي الرسالة التي أرادها نظام حكم العراق لأكثر من 40 عاما ، خاض فيها حروب طاحنة وفاشلة أنهكت البلد ودمرته ، مع سياسة قبضت على مقدرات الشعب وثرواته وحرياته فحولته إلى لقمة سائغة للقهر والبؤس والمآسي ، وبالتالي تخلي هذا الشعب عن ذاك النظام تدريجيا روحا وشكلا وعقلا ، ومن ثم الوصول إلى مرحلة لم يكن هذا الشعب مستعدا للدفاع عن نظام يستهدفه بشكل مروع وغريب ، رغم ما قدمه من تضحيات ودماء وعطاء طيلة أكثر من أربعة عقود من حكم ديكتاتوري أحمق سلّم البلد إلى الاحتلال في نهاية المطاف ، بينما قادته يتوارون في الحفر في بين لحظة وأخرى ؟!
ما هي الرسالة التي أراد مثل هذا النظام أن يوصلها إلى شعب حكمه بالقوة والحمق والحزبية المتفردة والجوع والشعارات الفارغة الرنانة ، والإدعاءات الكاذبة ، مع التمييز بين الناس على أسس الانتماء الحزبي والطائفي والمناطقي ، فكان أول سؤال يُسأل فيه المواطن ، من قبل رئيس النظام أو حاشيته وتابعيه في الدولة : من أي منطقة أنت؟! وكأن سكان العراق مقسّمون ومعرّفون حسب المناطق التي يقيمون فيها ، وليس حسب عطائهم وجهدهم وتضحياتهم .. وكانت مرحلة التسعينيات من القرن الماضي ، وقبلها أيضا ، خير شاهد على طبيعة التفكير والرؤية السياسية التي فتكت بالعراق وشعبه على وفق هذه الأسس المذكورة آنفا.
ويبقى السؤال : ما هي الرسالة لدى مثل أولئك الحاكمين ، في النهاية؟ .. طالما هناك طرف مشارك ومهم وأساسي يجب أن تصل إليه الرسالة ، وطالما هناك عالم محيط مجاور وقريب وآخر بعيد عنا يقرأ أيضا محتوى الرسالة ، كي يتعامل معنا على وفق محتواها ومضمونها وأبعادها.
لو سُئلت أنا شخصيا بمثل هذا السؤال يوما ، سأجيب بلا تردد إنها رسالة الإرهاب وصناعته من قبل عصابة حكمت وفق عقلية متطرفة مقفلة وجاهلة وحاقدة ، مجنونة بالتحكم والسلطة والتفرد ، مع تسقيط الآخر المختلف معها في الرؤية والفكر والتوجه.. 
رسالة متطرفة بدأ معها صناعة الإرهاب في بلد لم تكن هذه ثقافته ولن تكون ، مهما بدت على ساحته الآن من أشكال العنف والمواجهة والتشدد ، لأنها صناعة دخيلة على طبيعة الإنسان المسالم الحضاري المؤمن والمحب للحياة والإنسانية.
 
وخلاصة كلامنا هذا هو: هل يعرف السياسي اليوم ما هي رسالته التي يريد توجيهها إلى الطرف الآخر : الشعب ؟ وهل تعلّم هذا المسؤول وذاك الحزبي وهؤلاء المتكتلون في جبهة سياسية أو حكومية معينة ، الدروس والعبر من المرحلة السابقة ، وهل سيتعلمون ،إذا كانوا إلى اللحظة بلا رسالة حقيقة يريدون إصالها للناس ، أما إذا كان وجودهم أصلا هو إعادة 
الصورة السابقة بمحتواها وشكلها المرفوضين من قبل الشعب بالأمس واليوم ، فللشعب رسالته أيضا التي يوجهها وسيوجهها لأمثال هؤلاء الذين لم يتعلموا الدرس بعد.. وفي الغالب تكون رسالة الناس هي الأبلغ وهي التي تحكم في النهاية.
طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق