التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, أبريل 18, 2024

التاریخ کتب: الثورة الإسلامیة الإیرانیة مفخرة العالم أجمع 

إذا كانت حادثة كربلاء، الثورة التي شكلت منعطفاً في التاريخ البشري، جعل المستضعفين في العالم يتخذونها قدوة الثورات، فالثورة الإسلامية في ايران والتي قادها الامام روح الله الموسوي الخميني (قدسره)، شكلت منعطفاً مفصلياً في التاريخ الحديث. فالثورة الإسلامية التي قادها الامام الخميني(قدسره)، ليست سوى امتدادٍ لحادثة كربلاء، بل إنها أتت نتيجة الفهم الحقيقي لمعنى عاشوراء والثورة الحسينية. وهذا الفهم الصحيح، أرسى معالمه رجلٌ غيَّر العالم أجمع واستطاع بناء منظومةٍ قويةٍ ومتينة، مازلنا حتى اليوم نجهل أهدافها ومعانيها، وذلك لأن هذا الرجل الذي خلُد في قلب الزمن، كان يتمتع برؤيةٍ بعيدة المدى، واستطاع بفضل ذلك، أن يضع خارطة طريقٍ لمشروع إحياء الأمم، وهو مشروع نصرة المستضعفين في العالم أجمع. فكان معياره وهمه الوحيد المستضعفين.

لذلك تعتبر ثورته ثورةً عالمية ضد الظلم والجور والإضطهاد، ثورة تسعى في حقيقة أهدافها لهدف مركزيٍ أساسي وهو: بناء حضارة الإنسان. فالإمام الخميني (قدسره) هدف من خلال ثورته لبناء هذه الحضارة التي لطالما سعت الصهيونية العالمية الى إجهاضها منذ قديم العصور، فحقق حلم الأنبياء والأئمة، وأرسى معالم ثورة المستضعفين في العالم. بناءاً لما تقدم، ما هي نتائج ثورة الإمام الخميني (قدسره) على العالم لا سيما العربي؟ وكيف انطلق الإمام الخميني (قدسره) من فلسطين؟ وكيف جعلها الهدف والقضية؟ وكيف استمر هذ النهج في ظل القيادة الحكيمة للإمام الخامنئي (دام ظله)؟

أولاً: كيف جعل الامام الخميني فلسطين القضية المركزية؟

کان الامام الخمیني (قدسره)يعيش في العراق، في بیت متواضع قدیم في أحد الازقة الضیقة والمؤدية الی ضریح الامام علي بن أبي طالب (ع) في مدینة النجف الاشرف، كان حينها مرجعاً دینیاً لعموم الامة الاسلامیة. منذ ذلك الوقت كانت قضیة فلسطین والقدس الشریف على رأس اهتماماته ولم يكن يخلو جدول اعماله السیاسیة الیومیة من أخبارها. وكان الشاه حينها طاغوتاً يعمل لدى الاستکبار الامیرکي والصهیوني الهادف لمحو هیبة وعزة وکرامة الأمة، وجعلها أمة فارغةً قائمةً علی الشعور بالاستکانة والهزیمة، ويحكمها الخوف والهلع من امکانات القوی العظمی المتمثلة بالصهيونية، كحال بعض الأنظمة العالمية اليوم والتي منها أنظمة دول الخليج الفارسي.

وبالرغم من أن أولوياته كانت مقارعة نظام الشاه البهلوي، لكن كل بياناته ونداءاته للشعب الإيراني حينها، لم تكن تخلو من دعوتهم للنهوض بوجه الدور الصهيوني أساس الظلم في المنطقة والعالم، ففي بيان له بتاريخ ٨\٢\١٩٧٠ قال فيه: “ان اسرائیل هی الیوم العدوة الاولی للاسلام والمسلمین، وتخوض حربا ضد الشعوب الاسلامیة منذ مدة، تتدخل في جمیع شؤون البلاد الاقتصادیة والعسکریة والسیاسیة، وبمبارکة من الحکومة في طهران، ولذلک فقد صارت ایران قاعدة عسکریة لـ”اسرائیل” بل لامیرکا في واقع الامر”. (کتاب القضیة الفلسطینیة في کلام الامام الخمیني).

وبالتالي فإن الامام الخميني(قدسره) ومنذ ذلك الوقت استطاع إرساء مشروع القدس وفلسطين، كبوصلةٍ للصراع مع العدو الصهيوني، والهدف من ذلك كله، توحيد صفوف المسلمين وكافة الأحرار في العالم حول الهدف الحقيقي الذي يجمعهم. وحينها، بدأت ولادة مشروع القدس العالمي: القضية المركزية. وهذا ما توجّه اليه الامام الخميني (قدسره) منذ عودته المباركة الى أرض وطنه إيران. فقاد الشعب الایراني المقدام، نساءً ورجالاً وشباباً الی الانتصار في الثورة علی الشاه الظالم في ١١ شباط ١٩٧٩، وأسس أول جمهوریة اسلامیة معاصرةٍ عاصمتها طهران، في بدایة الربع الاخیر من القرن العشرین.

لا شك أن الامام الخميني(قدسره) اتخذ قرارات کبری ومفصلية غيرت وجه ايران والمنطقة والعالم أجمع، فكانت طهران مركزاً لزلزالٍ شدّ كل المناضلين الشرفاء والأحرار في إيران والعالم، بعد أن كانت قاعدةً لقوى التسلط العالمي. فالإمام الخميني وبانتصار الثورة الاسلامية عوض على العالم العربي ما خسروه علی خلفية سقوط مصر في الفخ الاستکباري، وتدشین عهد التطبیع والتصالح مع اسرائیل الغاصبة، انطلاقا من توقیع معاهدة کامب دیفيد وما بعدها. ولن ينسى العالم أجمع، ذلك المشهد المشرِّف للشعب الإيراني المجاهد، حين زحف الآلاف منهم الى السفارة المزعومة للعدو الصهیونی المحتل في وسط طهران وأنزلوا العلم الاسرائیلی، وقاموا بإحراقه وسط الهتافات المدویة. وسلم المتظاهرون المبنی الی منظمة التحریر الفلسطینیة، لیکون أول سفارة لدولة فلسطین في العالم، في مشهد مهیب، مازالت وقائعه محفورة في خواطر الثوار الایرانیین والعرب والأحرار في انحاء العالم. فهل تتذكَّر الأنظمة العربية ذلك؟ أم أنها نسيت أن التاريخ الشريف للأمم كتب في طياته أن رجلاً من قم، إسمه روح الله الموسوي الخميني، أعاد العزة للأمم المستضعفة ومنها الأمة العربية !..

لم يكتف الامام الخمیني (قدسره) بذلك بل أعلن بتاريخ ٧ آب ١٩٧٩ يوم القدس العالمي وذلك خلال بيانٍ تاريخي ندد فيه بالجرائم الاسرائیلیة الجبانة التي لاتجد من یردعها علی مستوی المجتمع الدولي، وقد جاء فيه: “بسمه تعالی: لقد حذرت المسلمین خلال سنوات طویلة من خطر اسرائیل الغاصبة، التي صعدت هذه الایام من حملاتها الوحشیة ضد الاخوة والاخوات الفلسطینیین ولاسیما في جنوب لبنان، بهدف القضاء علی المناضلین منهم، فهی تقوم بقصف بیوتهم ومساکنهم بشکل مستمر. انني أطلب من مسلمی العالم کافة والحکومات في البلدان الاسلامیة، ان یتحدوا مع بعضهم البعض في سبیل مواجهة هذا الغاصب وحماته، وادعو جمیع مسلمی العالم، الی اعتبار آخر یوم جمعة من شهر رمضان المبارک الذی هو من أیام القدر التي یمکن ان تکون حاسمة ایضا في تقریر مصیر الشعب الفلسطینی، یوما للقدس وان یعلن المسلمون خلال مراسیم الاتحاد العالمی، دفاعهم عن الحقوق المشروعة والقانونیة للشعب الفلسطینی المسلم. أسال الله تعالی النصر للمسلمین ضد اهل الکفر السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته. روح الله الموسوی الخمینی.” (من کتاب الامن الاسلامی ومستقبل الامة – ص ٧١). فأين كان حكام العرب حينها؟ وهل كان فيهم رجلٌ يجرؤ على قول بعض هذا؟؟

لذلك فإننا نجد أن انتصار الثورة الإسلامیة في إيران أحدث نهضة إسلامیة فی قطاع غزة و الساحل الغربی من نهر الأردن، فالثورة الإسلامیة کانت المحرک و الدافع النهائی لهذه النهضة. فکما أن الإمام الخمینی (قدس سره) منح للإیرانیین مفهوماً جدیداً للحرية وحق الشعوب، فإنه بعث الأمل فی وجود ملایین من المستضعفین و المسلمین و شعر الفلسطینيون حينها بأنه یمکن إزالة إسرائیل عن الوجود.

فبعد انتصار الثورة الإسلامیة مباشرة انطلق أول مرکز للجهاد الإسلامي الفلسطیني فی قطاع غزة. ولذلك نجد أنه بعد أن کان الإسلام خارجاً عن الساحة الفلسطینیة عادت فلسطین إلى محوریة العالم الإسلامی و اتجهت إلى مواجهة إسرائیل بدعم جاد و حقیقی. وجاءت شعارات الثورة الإسلامیة الإیرانیة، کأصول أساسیة للجهاد الإسلامی فی فلسطین. وهذا ما كتبه کتب احمد صدیق (احد المتحدثین باسم الجهاد الإسلامي) فی مقال له قائلاً: “ان انتصار المعتقدات الإسلامیة فی إیران یشکل النضال ضد إسرائیل. وکما یقول الشیخ اسعد التمیمی و هو أحد القادة الفلسطینیین: حتى زمن حدث الثورة الإیرانیة کان الإسلام غائباً عن ساحة الکفاح و الثورة الإیرانیة قد نقلت هذا الواقع إلى فلسطین ؛ بان الإسلام هو الحل و الجهاد هو الأداة الرئیسیة”.

ثانياً: كيف استمر هذا النهج في عهد الإمام الخامنئي؟

استمر هذا النهج العظيم في ظل القيادة الحالية للإمام الخامنئي (دام ظله) فكان تأسیس المجمع العالمی للتقریب بین المذاهب الاسلامیة في ایران بدایة عام ١٩٩١ بأمر من الامام الخامنئی (دام ظله). والهدف من ذلك كان التصدي للمخططات التي وضعها ما يسمى بالمستشرقين، تحت تصرف صناع القرار وساسة الاستکبار العالمی، لتفکیک اللحمة التي تولدت بعد انتصار الثورة الاسلامية في ایران وما تبعها من نهوض علی مستوی الفکر والوعِی الوحدویین فی العالم. وبذلك يكون الامام الخامنئي (دام ظله) قد قدم تجسيدا دقیقا لالتزامه التام بنهج الامام الراحل وتعالیمه علی مستوی ایران والامة أجمع والوحدة الإسلامية، ولاسیما ایلاء الاهتمام اللازم بقضیة فلسطین وتطوراتها المتلاحقة في ضوء تعاظم دور محور المقاومة الشریفة والباسلة وبذلك يكون الامام الخامنئي قد أرسى جملة من الحقائق والافکار التي تعکس المتطلبات المرجوة لکی تصل الثورة الفلسطینیة الی غایتها الرئیسیة النبیلة، وهی تحریر الارض والانسان والمقدسات والحرمات وعودة الحقوق الی اصحابها الشرعیین.

ثالثاً: تضحيات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سبيل الأمة أجمع

یعود السبب الرئیس لمعارضة محور أمریکا والکیان الصهیونی للجمهورية الإسلامية واستمرار العقوبات الأمريكية عليها، الى سببٍ رئيسيٍ يعتبر مصدر عداء هؤلاء لها وهو دعم إيران لقضیة الانتفاضة و ثورة المسلمین والمستضعفين الشاملة ضد المحتلین والأنظمة الجائرة. فلماذا وكيف؟

لم يكن اندلاع الانتفاضة الفلسطينة و استمرارها وتأسيس المقاومة الإسلامية، سوى بدايةٍ عملية للتأثر الشديد بثورة الشعب الإیرانی المسلم، الثورة التی قام بها هذا الشعب ضد استبداد الشاه والهیمنة والاستعمار الأمریکي و لذلك اعتبر المحللون الغربیون الثورة الإیرانیة بأنها کانت زلزالاً هزت منطقة الشرق الأوسط بقوة. وکان قادة الحرکة الثوریة فی فلسطین و الناشطون فی الانتفاضة من المسلمین الذین شهدوا فشل الحرکات الاشتراکیة و الوطنیة فی محاربة الصهیونیة. فقاموا بتشکیل منظمات لمواجهة الکیان الإسرائیلی المحتل، و کانت حرکات المقاومة الفلسطينية التي بدأت تحرکاتها و إجراءاتها ضد الکیان الصهیونی وإلى جانب ذلک نشاطها فی الحقل الثقافی و استقطاب الشباب المسلمین و تنظیمهم. مما أدى إلى تأسیس الحرکات و اندلاع الانتفاضة العامة للشعب الفلسطینی المسلم و عرفت بانتفاضة العام ١٩٨٧ والتي جاءت نتيجة دراسة الثورة الاسلامية وانتفاضة المسجد الأقصى فی عام ١٩٧٩مما انعكس علی عملیة السلام مع الکیان الصهیونی. وقد أشار الشهيد فتحي الشقاقي الأمین العام الشهید لمنظمة الجهاد الإسلامي في مقولةٍ له عن آثار الثورة الإسلامیة الإیرانیة فی انطلاق الانتفاضة و استمرارها: “إن فلسطین المحتلة کغیرها من الدول العربیة و الإسلامیة متأثرة بالحرکة الإسلامیة بقیادة الإمام الخمینی (قدس سره) بشکل اکبر من أی مکان آخر و بحدوث الثورة الإسلامیة انتبهنا و عرفنا بأنه یمکن هزیمة أمریکا و إسرائیل”.

وفي النهاية: الثورة الإسلامية النموذج الأمثل…

إننا لو نظرنا إلى التطورات فی منطقة الشرق الأوسط و خاصة على صعید ما يجري اليوم في العالم العربي والإسلامي، وبالتحديد في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن والبحرين، سندرک بأن الثورة الإسلامیة استطاعت ان تکون النموذج و الأسلوب الأمثل للکفاح وأن يكون لها مکانتها بین المسلمین و حرکات التحرر في العالم وأن تلعب دوراً ایجابیاً فی صحوة المسلمین والشعوب وحرکات التحرر كافة. لهذا فان جزءا من الحقد و العداء الأمریکی و الکیان الصهیونی للجمهوریة الإسلامیة الإيرانية یرجع إلى دور وتأثیر هذا الحدث المهم والتاریخي فی القرن العشرین والذي هزَّ المنطقة والعالم الإسلامي وكان له الأثر الأساسي في بناء قوة و تنمیة الحرکات المناوئة للإستعمار والاحتلال فی الشرق الأوسط. والفضل كل الفضل يعود لرجلٍ استحق أن يتشرف التاريخ بالكتابة عنه، تاريخٌ تفتخر به كل الشعوب، تاريخ يجيد قراءته فقط الأحرار في العالم، تاريخٌ يضعه الشرفاء نهجاً لطريقهم، تاريخٌ لم يصنعه إبن ملكٍ أو أمير، تاريخٌ لم يُشر بمال نفط أنظمة الخليج الفارسي، تاريخٌ لم يكن نتيجة مفاوضات الدول العربية الجائرة بحق شعوبها، إنه تاريخٌ صنعه أبناء الشعب الإيراني بالدم الطاهر، تاريخٌ صنعته ثورةٌ أعادت للأمم والشعوب عزتها وشرفها، تاريخٌ حقق حلم الأنبياء والأئمة، تاريخٌ أصبح اليوم حاضر الأمة ومستقبلها. والفضل كله يعود، لقائد هذه العزة والخالد في قلب الزمن، عنيت به مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية روح الله الموسوي الخميني (قدسره).

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق