التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, أبريل 19, 2024

روائيون: الأعمال الدرامية تعلمنا كيف نتخلص من السرد الممل 

احتلت الصورة، منذ سنوات طويلة، مكانة مهمة في الوسط الثقافي عموماً، والعراقي على وجه الخصوص، لما فيها من إمكانيات كبيرة، أولها تقديم العمل بطريقة جاهزة للمشاهد، والاشتغال على جذبه بطرق مختلفة. لهذا كانت الدراما بالنسبة للعائلة العراقية بمثابة ثقافة جديدة تضاف للثقافات التي عرفت بها على مدى العقود الماضية.

أعمال في الذاكرة

 

قدمت الدراما أعمالاً تمكنت من لفت انتباه المشاهد وإدخاله في عوالم جديدة، إن كانت عراقية أو عربية أو أجنبية. لكن ما تقدمه الدراما المصرية خلال السنوات الماضية كان إضافة أخرى لفن الصورة، خصوصاً في الأعمال الروائية التي حولها مخرجون إلى أعمال تلفزيونية، ربما ما شاهدناه في العام الماضي من أعمال بقيت في الذاكرة، مثل مسلسل (ذات) لصنع الله إبراهيم، و(موجة حارة) لأسامة أنور عكاشة، غيرت الكثير من المفاهيم حول تحويل الأعمال الروائية إلى دراما.

 

لكن، كيف يمكن للروائي الاستفادة من الدراما وتوظيف ما يراه على الشاشة في روايته أو قصته أو نصه السردي.

تصيّد الأخطاء

 

يتحدث الروائي حميد الربيعي عن علاقته بالدراما والأفلام المصرية، قائلاً: “عندما كنا صبياناً تربينا على الدراما والأفلام المصرية، نتابعها بشكل أو بآخر. كنت أتعمد أن أرى الأفلام، ليس من باب الدراما أو التمثيل، بل كنت أنتظر الأخطاء والسقطات التي فيها.. إذ كنت أكتب هذه الأخطاء بأوراق منفردة لكل عمل. ضمن هذا المفهوم كونت الدراما الخاصة التي بموجبها يمكنني القول إنني تمكنت من بناء دراما خاصة داخل أعمالي الروائية، على مستوى الأخطاء التي فيها”. ويعتقد الربيعي أن مفهوم الدراما تغير، وانفتح آفاقها نحو الحدث التاريخي واليومي والاجتماعي، خاصة أن معظم الأعمال الدرامية التي تراها في التلفزيون خلال السنوات الأخيرة، تطورت بشكل ملفت، وهو ما يلاحظ على الدراما السورية مبيناً أن ميزة الدراما السورية في هذا الإطار أنها نقلت لنا الواقع بصورة جميلة، سواء من خلال الكاميرا والشاشة والموسيقى والديكورات، كل هذه يستفيد منها الروائي بمقدار انتباهه إلى الأخطاء التي توجد في المشاهد ليبتعد عنها في بنائه الروائي، فضلاً عن استفادته من بناء السيناريو والحوار.

السيناريو والمشاهد

 

لكن الروائي صادق الجمل يرى أن الدراما بشكل عام متباينة خلال هذه السنة، إلا أن هنالك كتاب دراما في العراق يبدو أن لهم نصيباً وافراً، “أنا ككاتب أستفيد من بعض اشتغالات التقطيع والمونتاج في المسلسل نفسه. بشكل عام، الأفكار لا تأتي من المسلسلات، إلا أن السيناريو مهم جدا، لأن السيناريست هو الحلقة الواصلة بين الكاتب والمخرج، ومتى ما يكون ناجحاً في تقديم ما يكتبه مؤلف الدراما، يكون السيناريست ماهراً بشكل أو بآخر”.

 

ويشير الجمل أنه استفاد كثيراً من تجربة أسامة أنور عكاشة. أما في المسلسلات العراقية، فقد أعجبه مسلسل “باب الشيخ” في العام الماضي، “ربما أستفيد من عمل السيناريو الذي يعطيك الحوار واللقطات التي تحتاجها وربط الأحداث والمونتاج الذكي. وبالتالي سيحصل الروائي من خلال مشاهدته للأعمال الدرامية رؤية وبعد نظر، فحينما أكتب أتصور نفسي (سيناريست) قبل أن أكون روائياً، اقطع الحدث والموضوعة التي أشتغلها، أحاول أن أوصل الفكرة بأسلوب درامي للقارئ”.

مفردات الواقع

 

ويرى الكاتب والقاص عبد الأمير المجر أن العمل الدرامي بحد ذاته مادة، سواء كانت تاريخية أو اجتماعية تحاكي الواقع ومفرداته، وهذه المادة يعرضها كاتب ومخرج متمكنان، وبالتالي يمكن قراءة هذه الأعمال مثلما تقرأ أي كتاب، وهي خلاصات لرؤى وأحداث متعددة، سواء كانت في التاريخ أو الواقع أو في استشراف المستقبل، فجميعها مواد قابلة للقراءة. فالروائي أو الأديب يفيد من هذه الأعمال لتشكل إضافة ثقافية بالنسبة له، وأيضاً على مستوى التكنيك والتقنيات الأخرى، كل هذه الأشياء بإمكان الأديب أن يعيد قراءتها ويضيفها لعمله الأدبي والإبداعي.

بين الرواية والدراما

 

الروائي أسعد اللامي، حسب ما يقول، مدمن على مشاهدة الأفلام الأجنية، فـ”فيها ميزة الانتباه للسيناريو والحوار، الحوار فيها غني وثر ويعلمك فن الحوار في الرواية والكتابة، خصوصاً الحوارات التي تغير من سير الحكاية من خلال الاستدراكات التي يخلقها الكاتب، ما يؤدي لدفع عملية السرد للأمام”. أما فيما يخص المسلسلات العربية، فيعتقد اللامي أن ما يتوفر من فائدة منها أقل بكثير من الأفلام الأجنبية، ولكن بعض المسلسلات التي تعتمد أعمالاً روائية سبق وأن قرأناها من الممكن أن نستفيد من الدراما في العمل. هناك بعض الكتاب يكتب لأجل السينما والتلفزيون، ولهذا تجد أن كتابه يسوّق وينتشر. مثلا هناك روايات تكتب وكأنها عدّت خصيصاً لنقلها للسينما أو التلفزيون، في أثناء المشاهدة يمكن لك أن ترى الفارق بين عملية الإعداد للتلفزيون وبين الرواية الأصلية، وبالتالي ستكتشف الكثير من الأشياء، والانتباه لهذه العملية توفر لنا الكثير من الفائدة.

اشتراك الفنون

 

على الرغم من اختلاف فني القصة والرواية عن الأعمال الدرامية، إلا أن هناك نقاط اشتراك كثيرة، حسب ما يؤكد الروائي عامر حمزة، فباستطاعة كاتب القصة أن يستثمر الصورة في رسم ما يريد أن يقوله في عمله. هناك ميزة خاصة في الدراما وهي التي تسحب السارد إلى منطقة الصورة التي أصبحت الآن هي المنطقة الأكثر تأثيراً وانتشاراً وأهمية من غيرها. مضيفاً أن الفن والدراما والأدب تشترك جميعها في نقاط كثيرة، لكن تبقى هناك نقاط اختلاف في الأداء، على سبيل المثال فان الرواية والقصة الحديثة تعتمد على الحوار القصير والمكثف والبسيط، في حين تعتمد الدراما على الحوار المفهوم والطويل، الذي يستطيع إيصال الفكرة ويتشابك بالأحداث مع الشخصيات في سبيل وصول المشاهد لنتيجة ما في منطقة إقناع وتشويق وإثارة. أما في السيناريو فإن كاتب القصة والرواية من الممكن أن يكتب سيناريو عمله، كما أن من الممكن للراوية الذي لم يشتغل بالسيناريو سابقاً أن يتعلم هذا من خلال متابعته للدراما ويتعلم تقطيع المشاهد وتوزيعها، بشرط أن ينتقي ما يراه، فليس كل عمل صالح للمشاهدة.

 

الفنون تتفق مع بعضها في أشياء، وتفترق في أشياء أخرى، لكنها جميعاً تنبع من مصدر واحد وتصب في مصدر واحد أيضاً، وللكاتب المبتدئ باستطاعته أن يغني تجربته السردية من خلال متابعته للمسلسلات، عربية وأجنبية، من الممكن أن تصقل موهبته وتعلمه تقنيات السرد البصري.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق