التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, أبريل 19, 2024

الدولة الكردية.. حلم قومي ام مزايدات سياسية! 

علاء الرضائي –

تكرر الحديث عن انفصال المحافظات الكردية الثلاث في شمال العراق (دهوك، اربيل، السليمانية) والتي تسمى بأقليم كردستان عن جسد الدولة العراقية التي تشكلت عام 1926 طبقاً لاتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916 بين بريطانيا وفرنسا وتقاسم تركة الامبراطورية العثمانية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، لكن هذا الحديث لم يكن في كل مرة سوى فرقعة وجلجلة تهز فرائص الحكم في بغداد فيحصد الاكراد المزيد من المكاسب على حساب شركائهم في وطن علموا جماهيرهم على عدم الاعتراف بالانتماء اليه.

لكن ما حصل في الموصل والمشاركة الكردية الفاعلة في صناعة الحدث واخراجه والمكاسب التي حصل عليها الاقليم على الارض نتيجة تنسيقاته مع الجهات المخططة للغزوة، جعلت الحديث عن الانفصال اكثر جدية هذه المرة وقاب قوسين او ادنى في مخيلة بعض الزعامات، فدخل الاميركي على الخط ونصح قيادة الاقليم بعدم اجراء استفتاء على الانفصال، وصرحت ايران بأن الاقليم سيعود الى سابق عهده اذا ما أعلن انفصاله.. ولم يؤيد دعوى الانفصال سوى الكيان الصهيوني على لسان رئيس وزراءه وما تم تناقله من دعم تركي للمشروع!

ولست هنا بصدد الحديث عن اسباب الرفض العراقي والايراني او الحذر الاميركي، لان اسبابه واضحة، ولا عن التأييد الصهيوني او الصمت الاردني والسعودي لان دوافعه جلية لاتحتاج الى الكثير من العناء لمعرفة اسبابه، لكن كيف تدعم تركيا انفصال الاكراد عن العراق وهي تدرك جيدا ان كرة الثلج هذه ستصلها في الخطوة الثانية او الثالثة، وستكون دولة كردستان الكبرى على ما يقرب ثلث (32%) التراب التركي؟!

فالاكرد في تركيا يشكلون نحو 21% من الشعب التركي ويبلغ عددهم نحو 17 مليون من اصل 77 مليون مجموع سكان تركيا ويشكلون اغلبية في 21 محافظة تركية من مجموع 90 محافظة.

ان ما يسميه القوميون الاكراد بكردستان الشمالية يضم 56% من مجموع الاكراد في المنطقة، ومايقرب نصف مساحتها التي تمتد على اراضي خمس دول، كما انها تشكل مصدر المياه في شرق ووسط الاراضي التركية، بل وفي العراق وسوريا، فمنابع الفرات ودجلة من هذه المنطقة التي اقامت فيها تركيا سدودا وبحيرات لكي تكون لها اليد العليا في حروب المياه القادمة في المنطقة.. فكيف تفرط تركيا المعروفة ببراغماتيتها وبحثها عن المصالح الاقتصادية بأهم مواردها الطبيعية وتجعل نفسها في مواجهة تحد يطال صميم وجودها؟.. فضلا عن الاهمية الجيوستراتيجية للمنطقة ومحاذاتها لكل من ايران والعراق وسوريا وارمينيا وقربها من جمهورية اذربيجان النفطية.. الا ان يكون الهدف التركي الحاق اقليم كردستان بتركيا ضمن صيغة معينة (كونفدرالية معلنة او غير معلنة) ليستفيد من نفطها ويوسع من نفوذه في المنطقة عن طريقها، وهو مستبعد لانه سيضيف مشكلة اخرى الى مشاكله مع الاكراد في البلاد.

واذا كانت الدول الاربع الرئيسة في المنطقة (العراق، سوريا، تركيا وايران) تعارض انفصال الاقليم فكيف ستعيش هذه الدولة المطوقة من جميع الجهات؟! ولاشك ان زعامة الاقليم تدرك ذلك جيداً..

وفي ضوء هذه الحقائق والمعطيات، اعتقد بأن دعوة السيد بارزاني الى الانفصال مجرد سورة غضب بسبب عدم الاستجابة للابتزاز، مستغلا ارتباك الاوضاع والهجمة الارهابية.. وقد تكون الدعوة نتيجة للصراعات القائمة بين زعامات الاقليم نفسه ومحاولة استقطاب الجماهير من خلال تصريحات متطرفة وغرائزية واطلاق شعارات كبيرة، خاصة وان الانتخابات البرلمانية الأخيرة اوضحت حجم القوى والقاعدة التي يمتلكها رئيس الاقليم في مواجهة غرمائه داخل الاقليم، حيث لم يتجاوز عدد المقاعد التي حصل عليها حزب السيد بارزاني الـ(19) من مجموع 55 مقعدا للاكراد، والا لماذا لانسمع دندنة وموال الانفصال من افواه كردية اخرى، بالعكس بعضها يوجه لومه للسيد بارزاني في خلافه مع الحكومة الاتحادية؟!

نعم .. ليس من مصلحة القوى الاخرى المجاهرة بالخلاف مع حزب بارزاني على قاعدة “أنا وأخي على ابن عمي” لكنها ليست معه بالتأكيد خوفاً ان تتحول هذه المواقف المتطرفة الى نقمة على الاكراد الذين يعيشون عصرهم الذهبي بأموال النفط المتدفق من آبار جنوب العراق!

وما الاحتجاجات على الاوضاع التي آلت اليها الامور في الاقليم مؤخراً، من ارتفاع اسعار المواد الغذائية وقلة وارتفاع حاد في اسعار المحروقات وتدني الخدمات وتأخر المرتبات الا بداية الغيث النازل من غيوم المواجهة والتعنت والجشع الذي اصيبت به قيادة الاقليم (حزب السيد بارزاني وبعض القوى السلفية المتحالفة معه)..

لذلك اتصور وفق العديد من المعطيات الموضوعية، أن السيد بارزاني سيضطر الى التراجع وتخفيف حدة خطابه وستعود المياه الى مجاريها بين الاقليم والحكومة الاتحادية..

ان الاكراد في شمال العراق يشكلون جزءاً اساسياً من نسيج هذا البلد ومكون اساسي من مكوناته الجغرافية والتاريخية والثقافية، ولعل عمق العلاقة بين الاكراد والشيعة في الوسط والجنوب شكل على الدوام الهاجس الاساس لكل الحكومات القومية والطائفية التي حكمت العراق ما قبل التغيير في 2003، لذلك لايمكن التفريط بكل ذلك بسبب نزوات شخصية ومحاولات بناء أمجاد كاذبة يدفع ثمنها العراقيون في الشمال والجنوب على حد سواء..

ان القيادات الكردية المعتدلة مدعوة اليوم وقبل غيرها الى النظر لمصالح شعبها الحقيقية والابتعاد عن سياسة المغامرة والمكابرة والاستقواء بالخارج والى احتواء كل حالات التطرف والشوفينية التي تشاهد عند بعض القيادات الكردية لما يحقق أمن ورفاه الجميع ووحدة العراق وسلامة اراضيه واستقلاله..

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق